دور اسرائيل - أ ف ب - لا شيء في منتجع دور الاسرائيلي او قرية الطنطورة بالتسمية الفلسطينية على هذا الشاطىء الوديع يوحي بالدم او القتل. لكن ذاكرة مصطفى المصري 66 عاماً ما زالت تضج بمشاهد واصوات لأهل وأقارب ذبحوا هنا قبل اكثر من نصف قرن. والى جوار ما تبقى من منزل عائلة اليحيى على بعد امتار من امواج البحر المتلاطمة راح المصري يحاول استرجاع ذلك المشهد من 23 ايار مايو 1948 بعد ايام على اعلان قيام دولة اسرائيل. قال بصوت متهدج: "كانت الفرقة الاسرائيلية التي احتلت القرية تختار نخبة الرجال، الشباب والكهول منهم، ويدفعونهم الى جدار المنزل، وبعد لحظات كانت الاجساد القوية تتهاوى بفعل الرصاص". وعلى بعد خطوات حيث قوارب الصيد تنتظر هدوء العاصفة التي اجتاحت المنطقة يشير المصري الى مكان في الرمل ويقول قبل ان يرفع راحة يديه الى الأعلى ويتلو سورة الفاتحة: "هنا قبر جماعي ترقد فيه جثث ثلاثين من اهل الطنطورة قضوا في المجزرة". ويضيف: "كانت الجثث تجمع من اكثر من موقع في القرية وتنقل على عربات خيل يجرها آدميون لتلقى في قبر جماعي". الا ان المصري الذي اغرورقت عيناه وخانته ذاكرة السنين الطويلة الثقيلة يعود بعد دقائق من هذا الحوار القاسي ليتذكر فصولا اخرى من مجزرة الطنطورة 28 كلم جنوب حيفا التي اثارها اخيراً باحث اسرائيلي يدعى تيدي كاتس. ويؤكد المصري الذي لم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة وقت المجزرة انه كان برفقة والده واخيه في ذلك اليوم قبل ان يتلقى ضربة من احد الجنود الاسرائيليين ألقته ارضاً ليستيقظ بعد ساعات وقد فقدهما مع عدد آخر من افراد عائلته الى الأبد. وليس من السهل على المصري ورفيق صباه رزق عشماوي 65 عاماً اللذين يقيمان منذ يوم المجزرة مع مئات آخرين من الناجين من مجزرة الطنطورة في قرية الفريديس المجاورة، نسيان الامر. ويقول عشماوي الذي يدير مع ولده اسعد ورشة للمعدات الثقيلة: "لقد أخذ رصاصهم أهلي وأحبتي ودمرت جرافاتهم قرية الطنطورة التي كانت تضج بالحياة، ليتهم يأخذون الآن كل ما أملك ويعيدونها اليّ". وبالرغم من مرور 52 عاماً على المجزرة وعلى تدمير القرية التي كانت موطناً لأكثر من 2500 فلسطيني، فإن عشماوي لا يزال قادراً على تسمية المواقع والاحياء والمنازل حسب اسماء العائلات. ويقول بحيوية بادية: "هنا كان المسجد، وهناك كانت تسكن عائلات اليحيى واعمر وطه وزراع وهناك مدرسة البنين وتلك كانت مدرسة البنات". لكن الطاقة التي تفجرت في وجه هذا الرجل الستيني سرعان ما تبددت عندما وصل الى ما بات الآن موقفاً لسيارات زوار المنتجع الاسرائيلي. وقال عشماوي مشيراً بموازاة سياج وطريق معبدة: "هنا يرقد عشرات آخرون في ثلاثة قبور جماعية أجبر القتلى على حفرها قبل ان يجندلهم الرماة الاسرائيليون". ولم تكن المجزرة سراً، لكن الشهادات التي جمعها الباحث كاتس من مقاتلي لواء "الكسندروني" الاسرائيلي الذي احتل القرية واعلانه ان نحو 200 فلسطيني قتلوا فيها دفعتها مجددا الى الواجهة. ويقول استاذ التاريخ الفلسطيني في جامعة بيرزيت صالح عبدالجواد: "هناك نحو 30 مذبحة ارتكبها الاسرائيليون الذين دمروا ايضاً 85 في المئة من القرى والبلدات العربية". واضاف عبدالجواد الذي كشف ومجموعة باحثين فلسطينيين قبل عامين عن مجزرة ابو شوشة ويبحث حالياً في مواقع اخرى: "لقد نفذت اسرائيل عند قيامها تطهيراً عرقياً لم يسبق نظيره في القرن العشرين". وطالب نواب عرب في الكنيست الاسرائيلية بفتح تحقيق في مجزرة الطنطورة. وترفض اسرائيل الاعتراف بمثل هذه المذابح. وقال من تبقى من اعضاء اللواء الذي احتل الطنطورة انهم كانوا في حرب ورفضوا الاعتراف بالمجزرة. ويبدو ان الرفض والنفي الاسرائيليين لا يعنيان كثيرا للمصري الذي فقد أباه واخاه وتشتتت عائلته واهل قريتة ما بين الفريدس التي اصبحت جزءاً من اسرائيل ومخيمي طولكرم في الضفة الغربية واليرموك في سورية. وقال بنبرة حزن: "لا شيء سيعيد الي من رحلوا".