أصدرت دارة الملك عبدالعزيز ضمن منشوراتها بمناسبة الذكرى المئوية للتأسيس كتاباً بعنوان ديوان "الملاحم العربية" من تقديم محمد بن عبدالرحمن الربيع وتعليقه وتحقيقه، وهو في الأصل ديوان شعري مخطوط، يضم بعض القصائد التي نظمها الشاعر الكويتي محمود شوقي الأيوبي في مناقب الملك عبدالعزيز 1371ه. والشاعر الأيوبي لوحة شعرية خاصة، في مدرسة الأدب في منطقة الخليج العربي خلال الفترة الزمنية التي عاش فيها، وهي أواسط القرن الهجري الماضي، ويعد من أبرز شعراء الكويت في تلك الحقبة من أمثال: صقر الشبيب، وخالد الفرج، وفهد العسكر. صدرت عن سيرة الأيوبي وشعره عدة تراجم ودراسات، لكن هدف هذا المقال هو تسليط الضوء على الجهد الخاص الذي بذله هذا الأديب الكويتي في مجال الدعوة والاعلام، لخدمة اهداف الملك عبدالعزيز التوحيدية، في وقت كان يندر أن تجد في الجزيرة العربية مثقفين بالعدد الذي تطلبته مسيرة التأسيس في هذه البلاد. من هو الشاعر محمود شوقي الأيوبي؟ ولد في الكويت سنة 1320ه 1901، ووالده عراقي كردي الأصل، كان يسمى الحاج عبدالله الكردي. ونزح الى الكويت وهو صغير، أما والدته فهي عراقية من عرب المنتفق. ودرس محمود في أحد كتاتيب الكويت، التحق بأول مدرسة حكومية في الكويت المباركية، ثم تعلم فن الطباعة في البصرة، ثم التحق بدار المعلمين في بغداد وتخرج منها وعمره 18 عاماً. قصد الشام ولبنان وفلسطين ومصر للسياحة، ثم عمل مدرساً في المدرسة المباركية والأحمدية مرتين، تخللهما رحلات الى العراق وايران، ثم زار الاحساء برفقة خالد الفرج والتقى ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز، ثم زار الرياض وقابل الملك عبدالعزيز. وبدأت رحلته الى بلاد الملايو، ودرس في مدرسة الارشاد الاسلامية المعروفة وفي مدارس أخرى، ثم أسس عدة مدارس في أندونيسيا وبلغت مدة اقامته فيها 20 عاماً. ورجع الى الكويت في كانون الثاني يناير 1950 وعمره حوالى خمسين عاماً، وعاد لمهنة التدريس حتى بلغه الأجل في 2/12/1385ه 23/3/1969. ويستفاد من لقاء اجري مع الشاعر بعد عودته الى الكويت أنه تزوج 12 مرة، وان كل زوجاته أندونيسيات، وأنجبت زوجته الثانية ثلاث بنات وولداً واحداً، وأنجبت زوجته الأخيرة التي اصطحبها معه الى الكويت خمس بنات وسبعة أولاد. تراثه الفكري رصد الشاعر الأيوبي نتاج شعري غزير ضمته دواوين شعرية مطبوعة ومخطوطة، فأما المطبوعة فهي: 1 - الموازين، المطبوع في مصر سنة 1953، ويتضمن 140 قصيدة 450 ص. 2 - رحيق الأشواق، المطبوع في مصر سنة 1955، 350 ص ونظمه في أندونيسيا. 3 - الأشواق، المطبوع في القاهرة عام 1955، ويحتوي على 47 قصيدة. 4 - هاتف من الصحراء، طبع في القاهرة عام 1955، ويحتوي على 47 قصيدة. 5 - ألحان الثورة، طبع في الكويت بعد وفاته عام 1969 450 ص ويتضمن 48 قصيدة. 6 - المنابر والأقلام، طبع في الكويت سنة 1982، ونظم نصفه ابان اقامته في اندونيسيا. أما دواوينه المخطوطة فهي عديدة، وأشهرها: أحلام الخليج، وديوان الملاحم العربية طبع حديثاً من قبل دارة الملك عبدالعزيز بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة. ويقال أن له دواوين مخطوطة أخرى لكنها مفقودة، كما توجد له قصائد متناثرة في كتاباته المخطوطة وفي رسائله، وبعضها نشر في الصحف والمجلات من دون أن تضمها الدواوين. وعلى سبيل المثال، تضم مكتبة الزميل أحمد الضبيب مطوية تضم ثلاث قصائد طويلة بخط اليد اهداها الشاعر الى الدكتور الضبيب عندما كان طالباً في المرحلة المتوسطة في المدينة المنورة، وحررها الشاعر من قرية الشعيبة الكويتية بتاريخ 20/7/1372ه. واحدى تلك القصائد بعنوان "أرجوزة الرمان"، وتقع في 130 بيتاً، ونظمها الشاعر بمناسبة دعوة أقامها في قريته على شرف صديقه الزائر الشيخ محمد بن حسن الضبيب والد الدكتور أحمد ولم تنشر بعد. أما القصيدتان الأخريان فقد ضمهما ديوان الأشواق. المصادر التي تحدثت عنه تظل الدراسة التي قدمتها استاذة الأدب العربي في جامعة الكويت نورية صالح الرومي، أفضل بحث مستوف صدر عنه، فقد احتوت تفاصيل واسعة عن حياته وأسلوبه، وصدرت طبعتها الأولى في الكويت سنة 1982، والثانية في بيروت سنة 1999 في 570 صفحة. ويبدو من تلك الدراسة أن كلاً من عبدالله النوري، وعبدالله زكريا الأنصاري، ومحمد عبدالعزيز موافي كتبوا بحوثاً مطبوعة على الآلة الكاتبة عنه، صارت بعض مراجعها، كما كتب كل من خالد سعود الزيد، وعلي عبدالمنعم عبدالحميد، وأحمد الشرباصي، ومحمد عبدالمنعم خفاجي وغيرهم مقالات عنه، نشرت في الخمسينات والستينات والسبعينات الميلادية، كما نشرت أشعاره كل من صحيفة "أم القرى" ومجلة "الاصلاح" السعوديتين، ومجلات "الكويت" و"البيان" و"الايمان" و"البلاغ" و"البعثة" الكويتية، وبعض الصحف السورية. وفي ما يخص هدف هذا المقال، فإن كتاب الدكتورة الرومي وكذلك كتاب الدكتور يعقوب يوسف الحجي الذي تناول فيه سيرة رائد الصحافة الكويتية الشيخ عبدالعزيز الرشيد، يعدان أفضل مرجع في هذا الصدد. علاقته مع الملك عبدالعزيز سبق لكتابي "الاعلام في المملكة العربية السعودية: دراسة وثائقية وصفية تاريخية"، الصادر في منتصف العام الماضي، أن ابان اسباب الحملة الدعائية التي أشيعت في بلاد الملايو بلاد الجاوة التي تتكون حالياً من أندونيسيا وماليزيا وسنغافورا وما جاورها، وشوهت التوجهات المذهبية للدولة السعودية الجديدة، وتسببت في انحسار حجاج الجاوة إلى أقل من الربع، وذلك منذ أن دخلت الحجاز في الدولة السعودية عام 1925، وبلغ الانحسار ذروته في حدود عام 1930. واهتم الملك عبدالعزيز بمعالجة انعكاساتها السلبية السياسية والاعلامية والاقتصادية، مبتدئاً بارسال المبعوثين الاعلاميين والدعاة الى شبه القارة الهندية قبل تقسيمها الى دولتي الهند والباكستان والى بلاد الملايو، حيث يشكل الحجاج الهنود والجاوة أكثر شرائح الحجاج في تلك الأعوام، وذلك لتصحيح المفاهيم الخاطئة عندهم عن تطبيق الشريعة الاسلامية في بلاد الحرمين الشريفين، وان ذلك سيكون سبباً لتحقيق الطمأنينة داخلها، وعاملاً على استتباب الأمن والاستقرار في الدروب الموصلة اليها. ثم تطورت فكرة ارسال المبعوثين الى انشاء مجلس للدعاية للحج في عام 1355ه 1935 وتحول هذا المجلس مع الأيام الى مديرية، ثم اقترن اسم الدعاية مع مديرية الحج لاحقاً، فصارت مديرية الحج والدعاية له، ثم ضمت الاذاعة والحج في مديرية واحدة ... الخ. وتم رصد اسماء عدد من الشخصيات المثقفة السعودية والعربية التي أوفدت لمهمة الدعوة والاعلام في بداية هذا المشروع، وكان من بينها شاعرنا محمود شوقي الأيوبي والشيخ عبدالعزيز الرشيد كويتيان ويونس بحري عراقي وأحمد السوركتي سوداني وعبدالحميد الخطيب سعودي وغيرهم، وكانت وجهتهم الى الهند وجزر الملايو كما سلف. ويبدو أن اختيار الشاعر الأيوبي لهذه المهمة الدعوية الاعلامية بدأت عندما زار الأحساء ثم الرياض ثم الحجاز بنية الحج، والتقى خلال زيارته كلاً من الملك عبدالعزيز وأبناءه سعود وفيصل، كما التقى العلماء والمثقفين السعوديين، وان كان من المؤكد اعجابه وربما اتصاله مع الملك عبدالعزيز قد تم قبل البدء بتلك الزيارة التي جرت في عام 1348ه، بدليل القصائد التي نظمها ثناء على جلالته منذ أن كان في الكويت. يقول يعقوب يوسف الحجي في كتابه عن سيرة الشيخ عبدالعزيز الرشيد ص229 ما يأتي: "كان الشاعر محمود الأيوبي قد بدأ في نظم القصائد في مدح الملك عبدالعزيز آل سعود، منذ أن كان مدرساً في المدرسة الأحمدية عام 1929، وكان يساجل شعراء مكةالمكرمة، وقد نشرت له جريدة أم القرى العديد من القصائد". وفي أيلول سبتمبر 1929 غادر الشاعر الايوبي الكويت الى البحرين، ثم منها الى الاحساءفالرياض، حيث قابل الملك عبدالعزيز هناك، ومن الرياض اتجه الى مكةالمكرمة حيث حل ضيفاً على الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وفي مكةالمكرمة رشحته هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكون داعيه للمذهب السلفي في اندونيسيا، وداعية سياسياً للملك عبدالعزيز فيها، وقد سافر بعد الحج 1348ه على إحدى بواخر الحجاج. وقد خصص معظم دواوينه الشعرية، المطبوعة والمخطوطة، ذات الطابع الملحمي لذكر خصال الملك عبدالعزيز وخص ابناءه سعود وفيصل بعدد من قصائده، وقد نشر بعضها في صحيفة "ام القرى" في حينه. فديوان الملاحم العربية الذي يقع بخط يده بحوالى 567ص يضم قرابة ثلاثة آلاف بيت من الشعر في 27 ملحمة، تتحدث جميعها عن الملك عبدالعزيز، وقد ارسل بعضها من الكويت قبل زيارته للديار السعودية والتقائه مع الملك وابنائه، ثم نظم بعضها اثناء الزيارة، ثم نظم بعضها وهو في مهجره في اندونيسيا، ونظم الباقي بعد عودته الى الكويت، وقد اهداه إلى الملك عبدالعزيز وبعثه من قرية الشعبية الكويتية سنة 1371ه. ويبدو من مراجعة سيرته انه لم يعمل على إنشاء صحيفة عربية هناك، كما فعل عبدالعزيز الرشيد واحمد السوركتي ويونس بحري، كما لم يتخذ من الكتابة الصحافية - إلا ما ندر - وسيلة لتنفيذ مهمته الدعوية هناك، فلقد كانت جهوده تتم عبر ممارسة التعليم أو من خلال الشعر، الذي كانت له سوق رائجة بين العرب والموجودين في أندونيسيا من اصول حضرمية في الغالب. ونشرت له "ام القرى" بين عامي 1347 و1369ه حوالى 17 قصيدة في الثناء على الملك عبدالعزيز ونجليه سعود وفيصل، أو بمناسبة بعض الاحداث المهمة التي جرت في البلاد، وتركزت معظمها في السنتين الاولى والثانية من تلك الفترة، اي قبل قبوله مهمة الايفاد الى إندونيسيا، اما آخر قصيده منها وهي التي قالها سنة 1369ه، فكانت بمناسبة مرور 50 عاماً على دخول الرياض. وعن علاقته بالملك عبدالعزيز يقول الشاعر الايوبي نفسه، في مقابله نشرتها له مجلة "الكويت" العدد 1/1/1196: "إنها علاقة طويلة وهي سياسية محضة، فنحن الشباب في ذلك الوقت كنا نتطلع الى رجل يمدنا بالقوة لتحقيق آمال عروبتنا وامتنا، وقد التجأنا اول الامر الى الشريف حيناً وقلنا هو المنقذ، ولكن الانكليز اخذوه وابعدوه الى قبرص، فالتجأنا الى الملك عبدالعزيز، وكان يسمى في ذلك الوقت مارد الصحراء". ولكن الشاعر يتحدث عن سبب آخر لرحلته الى الشرق فيقول في مجلة الكويت العدد 28/1/1966: "إن سبب رحلتي هو الاطلاع على احوال البلاد الاسلامية والدعوة الى الاسلام، وكان سفري من مكةالمكرمة على نفقة الملك عبدالعزيز". ويستفاد من بعض شعره ومن مجلة "البلاغ" 26/6/1977 أن المملكة - ولظروف خاصة - قطعت الراتب المخصص له، واعلمته بذلك، لكنه لم يكسل، ففتح مدرسة للقرآن العظيم لتعليم كتاب الله واللغة العربية والتاريخ الاسلامي. نماذج من شعره لا يهدف المقال - كما سلف - إلى تحليل الملامح الموضوعية والإبداعية لشعره، فلقد افاض كتاب نورية الرومي بذلك. كما تناوله لاحقاً. محمد الربيع بالدراسة لكن المقال لا يكتمل من دون ايراد نماذج مما له صله بالموضوع. فهو في ديوان "الملاحم العربية" يقول في إحدى قصائده مدحاً في الملك عبدالعزيز: هو القائد الجرد الساهب في الوغي عليها كماة يحسنون به الظنا يمزق رهط الغي بالله محتم وفي الله لم يطلب لفعلته منا مشى يبتغي للمجد صرحاً مؤثلاً بيوم الزعوف السود كما غارة شنا هو الضيغم الوثاب في ساحة الوغي بغير المعالي والمفاخر لا يهنا تلبيك يا عبدالعزيز نفوسنا فها نحن في الهيجا فخذ عهدنا منا نريد حياة للعروبة حقة نريد حياة العز ها نحن بادرنا وفي قصيدة اخرى بعنوان : حول ابي قبيس وهو جبل معروف في مكةالمكرمة يمزج الشاعر فخره بالعروبة وحبه للملك عبدالعزيز في هذه الابيات : كفى العرب فخراً بالسعود فإنهم شموس بأرجاء الحمى وسناء إذا كنت من عدنان فاحفظ حقوقهم فما الحقد إلا نكبة وعناء فمن رام عزاً فالجزيرة موئل منيع له عبدالعزيز رجاء وأبناؤه الشوس الميامين حوله عليهم من الخلق النبيل ثراء وفي قصيدة نشوة الاحساء التي القاها امام ولي العهد الامير سعود بن عبدالعزيز اثناء مرور الشاعر بالاحساء في طريقه الى لقاء الملك عبدالعزيز في الرياض 1348ه يقول: أماناً فؤادي ما الرقى والطلاسم بمجدية والحب للنفس ظالم نهيت فؤادي عن مطاوعة الهوى فلم ألق إلا الصد والصد غاشم وفي حفلة المعايدة التي يقيمها الأمير فيصل نائب الملك عبدالعزيز في الحجاز، القى قصيدة طويله بعنوان نسيم العيد في دار الحكومة بالمحمدية في مكةالمكرمة، يقول مطلعها: نفجر نبع اليمن واعشوشب الغرس فقام يدير الراح من ثغره الورس ونقط لحظ الظل في الروض ادمعا فظلت لحاظ الزهر من نهله تحسو والبيت في أم البلاد معالم تذوب لها شوقاً على رغمها النفس وما فتنة القدس الشريف بعيدة فقد ضج منها المسلم الشهم والقس قفوا واسحقوا سحق البعوضة من أتى يزيغ ضلالاً وليكن حظه الرفس وأهدى إلى الملك عبدالعزيز بمناسبة مرور 50 عاماً على بدء تأسيس المملكة ملحمة طويلة يقول في بدايتها: مواكب العزب بين الفقر والشجن تترى مرتلة انشودة القدر هذي مطيتي الوجناء شاخصة حيرى، فأيهما أختار في سفير يا وقفة فوق تل الرمل أذكرها سمت بها نحو غايات العلا فكري لقد حاول كتابي الاخير "الإعلام في المملكة العربية السعودية: دراسة وثائقية وصفية وتحليلية 2000"، أن يفتح ملف المبعوثين الاعلاميين للملك عبدالعزيز الذين اوفدهم في مناسبات مختلفة، واشار الى عدد منهم، والى طبيعة المهام التي قام بها بعضهم، لكن الموضوع واسع، ويحتاج الى مزيد من البحث والوقت لاتمام حصره والاحاطة به، والمؤمل أن تغوص دارة الملك عبدالعزيز والباحثون في هذا النشاط ذي الطبيعة الدعوية والاعلامية الذي خصه الملك عبدالعزيز وموظفوه بكثير من اهتمامهم ودعمهم. * إعلامي سعودي.