مدخل: * ظهر في أوساط الشعر الشعبي منذ فترة قديمة نسبياً تقليد (تسمية القصيدة) حيث إنه عندما يتداول الناس قصيدة معينة، يصبح أمر تعريفها باسم معين تشتهر به أمر في غاية الأهمية حيث انه يشكل لوحة دعائية للقصيدة في زمن اللا دعاية، ورغم ذلك ظل أمر اكتساب الاسم للقصيدة محصوراً على قصائد محدودة أشبه بالمعلقات في تميزها بجودة السبك والحبك وعمق المعاني وجزالة الألفاظ الأمر الذي جعلها تقدم على سائر القصائد النبطية واستمر هذا التقليد إلى وقت قريب ومن هذه القصائد قصيدة الروضة لراشد الخلاوي وقصيدة الفرقد للشعيبي وقصيدة الخلوج للعوني وقصيدة الشيخة للنجدي وغيرها. طريقة تسمية القصيدة: أولاً: الذي يطلق الاسم على القصيدة إما أن يكون الشاعر نفسه وهذا أمر نادر وإما أن يكون الشعراء الآخرون والنقاد والمهتمون بالشعر أو الناس بصفة عامة، وربما يتكرر الاسم لأكثر من قصيدة إذا هدف إلى الثناء على القصيدة وابرازها ولذلك فلا غرابة أن نجد ثلاث أو أربع يطلق عليها اسم (الشيخة) مثلاً. ثانياً: تسمية القصيدة يعتمد على عدة أمور منها: أ - تسمية شاعرها لها كقصيدة (معجبة) للشاعر ابراهيم بن جعيثن. ب - موضوع القصيدة حيث يكون سبباً في تسمية القصيدة باسم فخم يدل على الجودة مثل قصيدة (الشيخة) للنجدي أو (الذهبية) للسمين كما قد يكون موضوعها وصفاً لها كقصيدة (الخلوج) للعوني وغيرها. ج - وجود لفظ مميز غير متداول فيلفت الأنظار للقصيدة فتشتهر به، ثم يغلب عليها فتسمى به مثل قصيدة (الفرقدا) للشعيبي أو (القرنفلية) لنفس الشاعر. د - النتيجة التي أدت إليها القصيدة وذلك أن بعض القصائد قد تكون سبباً في حدث معين مثل قصيدة (مرضية) للشاعر سند الحشار الظفيري التي كانت سبباً في الصلح بين فخذين من قبيلته وكذلك قصيدة (موصلة) لنبهان السنيدي وغيرها. نماذج من القصائد المسماة: وسنعرض هنا نموذجاً واحداً لكل عنصر من العناصر المذكورة في ثانياً مقرونة بنبذة مختصرة عن شاعرها وسبب تسميتها وعدد من أبياتها: 1- قصيدة (معجبة): للشاعر ابراهيم بن عبدالله بن جعيثن من شعراء نجد البارزين عالج في شعره أحوال زمنه الاجتماعية على طريقة حميدا الشويعر ويعد من المكثرين وله ابتكارات جميلة في قصائده قال بعض القصائد الفصحى رغم أميته، عاش مزارعاً ونجاراً في بلده التويم من سدير وسافر طلباً للمعاش إلى البحرين والكويت والعراق ولد سنة 1260ه وتوفي 1362ه فعمر فوق المئة (1)، وقصيدته هذه هو الذي سماها بهذا الاسم ربما لورود هذه المفردة في الشطر الأول من البيت الثاني وقال مؤلف ديوانه وهي كاسمها فيها من العجائب ما يجعلها من عيون شعره جاءت في 60بيتاً وقال في مطلعها حيث بدأها بمقدمة تشويقية جميلة صاغها كحوار بينه وبين القصيدة: تاهت ولبست بزها وذهوبها زارت ودرت من الفكر دالوبها قالت تراني معجبة يا صاحي والناس تصغي للذهين اقلوبها دهشت ما بين الفرح والروعة بالليل مادري ويش هو مطلوبها تقول صر من ما تحاذر آمن مستورة جت في قضيا نوبها قلت استحي ما ذنب وقت مواصل معيشة ضنك وشد حروبها (2) 2- القصيدة (الذهبية): للشاعر عامر السمين وورد في شعره إشارة إلى اسم ابيه سلطان وإشارة إلى نسبه إلى بني عبدالحميد بن مدرك ويرى العريفي بذلك أنه من قبيلة جنب التي منها عبيدة القبيلة القحطانية المشهورة ويظهر أنه من شعراء القرن العاشر وأنه سكن ملهم وزار الأحساء لصلتهم بالجبريين ومكة لصلته بالأشراف وقصيدته المسماة بالذهبية ذات البحر الطويل هي في مدح بركات الشريف وردت في مصادر الشعر الشعبي المخطوطة والمطبوعة على اختلاف في عدد أبياتها في حين أوردها العريفي الذي قام بتحقيقها وشرحها في 75بيتاً جاء في مطلع القصيدة: لمن طل بين الخمائل والخالي خلا وخوى واختلا منزله خالي دريس منيس لا انيس بربعها خلت ما سوى السرحان والريل الرالي تنكر من العهد الذي كنت خاير وغير صروف البين من حالها حالي عفت من كثر ودق السحاب والسقا الى سجعت في سقحها الريح ذيالي خليلي من عليا عقيل وعامر أرى كم انضا عن الدرب ميال(3) 3- القصيدة (القرنفلية): للشاعر الشعبي في مدح بركات الشريف (الفهيد 8:132) وجاءت في الخيار في 85بيتا ومنها: اطلب لها اطلال الديار الممحلي يعتادها نحو السعود المقبلي يا لدلو هطال السحايب مدّيم سحب لكن السيوف بها تللي وصف الخيال لكن بجنباته طبل بسيرات الملوك يزلزلي يسقي ديار جل في عرصاتها سو اليلا وامست بلا قيع خلي دار لحسنا بين سيطان اللوا والسر والضاحي وبين مجزلي وسميت بذلك لقوله فيها: حسنا وهي من دون معشر حيها تكسي المتون بوارد متعثكلي يغذا على طيب الجمال بما غلا مسك وريحان معا قرنفلي 4- القصيدة (الموصّلة): هذه القصيدة ذكرها مؤلفو كتاب من شعراء عنيزة الشعبيون منسوبة للشاعر نبهان السنيدي (من موالي المشاعيب أمراء عنيزة) الذي قال إنه عاش في القرن الثاني عشر إذ إنه يستنهض فيها المشاعيب الذين كان بينهم وبين آل بكر أبناء عمومتهم منافسة على إمارة عنيزة وبالفعل استرد المشاعيب الإمارة وقد كانوا قد أخرجوا عن عنيزة إلى العوشزية، وترد القصيدة في عدد من المصادر المخطوطة والمطبوعة مما يدل على شيوعها والاهتمام بها وترد القصيدة في 38بيتا ومطلعها: يقول (نبهان السنيدي) بدا النبا من القيل عدلا القوافي نجيبه صعب على غيري الى راد مثلها والأمثال حلياها تلقى نصيبه مولفه ما نيب ياغي رفاده باغ بأيام اللقا تقتضي به مولفه والعين غرقى من البكا دمع على الأوجان عجل صبيبه لحيث بان لي الجفا من رفاقتي أشوف الخنا بالعين ثم اغتضي به ومنها: وأنا اليوم في راسي على زورة العدا هيام عساني باللقا انتخي به وأنا والمشاعيب العصاة على العدا مشاعيب بأيام اللقا نتخي به إلى اقفوا فلا ولاد المشاعيب ردة على الضد شروا الضان وإن شاف ذيبه(4) والحقيقة أنه بالنظر الى القصائد المسماة الشهيرة نلاحظ أن هذه القصائد تستحق أن تفرد بأسماء خاصة تميزها عن غيرها من قصائد الشعراء أنفسهم أولاً وقصائد غيرهم ثانياً، ونحمد الله أن هذا التقليد قد تلاشى وإلا لأصبحت نصف قصائد الساحة الشعبية اليوم ما بين شيخة وذهبية ودامغة في ظل إعجاب أغلب الشعراء الشباب بأنفسهم والتطبيل لهم من قبل من يظنون أنهم أوصياء على الساحة الشعبية ووكلاء الذوق العام فيها. (1) ديوان من الشعر الشعبي للشاعر سدير، ابراهيم بن جعيثن، عبدالعزيز محمد الاحيدب، ط 1مطابع الاشعاع ص28، 27(2) ديوانه ص 89(3) تلويحات 1- شهران بن منصور العبيدي 2- عامر السمين، طرف من أخبارهما وأشعارهما، أحمد الفهد العريفي، مطابع جاد بالرياض، ص 74-98.