العثور على الجزء الأول المفقود قد يحدد صاحب المخطوط عكفت منذ ثلاث سنوات تقريباً على تحقيق إحدى مخطوطات الشعر النبطي وقد وعدتني إحدى الجهات الثقافية بنشرها فكان ذلك سبباً في تأخير طباعتها وستصدر إن شاء الله خلال الأيام القادمة، وعليه فإن الواجب العلمي يقتضي التعريف بهذه المخطوطة التي حفظها لنا أحد العلماء الأجلاء وهو الشيخ محمد العسافي رحمه الله حيث وجدتها ضمن محتويات مكتبته التي أهداها ورثته إلى مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض تحت الرقم 9169/خ ، وأجدها فرصة لتقديم الشكر والعرفان لقسم المخطوطات في جامعة الإمام وخاصة الأستاذ عبدالله العجلان الذي كان له فضل المساعدة والتعاون فجزاه الله خير الجزاء. أولاً: نبذة عن صاحب المكتبة: هو محمد بن حمد بن محمد بن صالح بن سليمان بن عبدالله بن عساف العسافي التميمي النجدي ثم البغدادي أحد علماء مدينة (الزبير ) في العراق في القرن الرابع عشر الهجري وهو من مواليد سنة 1311ه وله عدد من المؤلفات المخطوطة والمطبوعة مثل (مساجد الزبير) الذي حققه الدكتور قاسم السامرائي،( الإصابة في استحباب تعليم النساء الكتابة ) المطبوع بتحقيق إبراهيم اليحيى ، (تاريخ الزبير) ، (الزهر الملتقط من شعر النبط ) وغيرها، وقد أصدرت جامعة الإمام (الفهرس الوصفي لمخطوطات آل العسافي) وقام بهذه الفهرسة قاسم السامرائي وقد اختلف المؤرخون في وفاة الشيخ العسافي والراجح كما أفادني أحد أفراد أسرته هو سنة 1394ه تقريباً. ثانياً: وصف المخطوطة: كتب في بطاقة الفهرسة لهذه المخطوطة: (ديوان شعر) جمع محمد حمد العسافي. في حين نجد في الأوراق الداخلية عبارة (الجزء الثاني) مما يعني وجود جزء أول مفقود من هذا الديوان، وتبلغ عدد أوراق الجزء الثاني 65 ورقة مقاسها 20*16سم والمخطوطة عبارة عن كراس صغير غلافه من الورق المقوى بني اللون يميل إلى البنفسجي ذي كعب قماشي أحمر وأوراقه مسطرة و يبلغ عدد الأسطر في كل ورقة 19سطراً السطر الأول منها ذو تسطير أحمر وبقية الأسطر ذات تسطير أزرق وفي أعلى الصفحة هامش بمقدار 2سم تقريبا أما الهامش السفلي فهو مساوٍ للمسافة بين السطور التي هي أقل من 1سم في حين تساوى الهامش الأيمن والأيسر بمسافة تقارب 1.5سم والأوراق بيضاء اللون ولكنها مائلة للاصفرار بسبب عوامل الزمن. و يزاوج مؤلف المخطوطة بين خط النسخ وخط الرقعة ولا يتميز لديه الخط بصورة معينة ولكنه يميل إلى الوضوح برسم حروفه وتنسيقها، وأما لون الحبر المستخدم للكتابة الحبر فهو اللون الأسود ولا يوجد أي طمس أو فقدان أو بتر ما عدا الورقة الأخيرة. إحدى قصائد الهزاني تميزت المخطوطة بفهرس في مقدمتها وضعه مؤلفها متضمنا اسم الشاعر ومطلع القصيدة وعدد الأبيات ورقم الصفحة وهذا دليل على معرفته واطلاعه وخبرته في التعامل مع الشعر النبطي كما يظهر فيها ترقيم الأبيات بين الشطرين في كل قصيدة من أول بيت إلى آخر بيت . عند الانتقال من الورقة السابقة إلى الورقة اللاحقة يضع في هامش الورقة الكلمة الأولى المكتوبة في الورقة التالية وهذا تقليد جرى عليه المؤلفون والنساخ لمعرفة تسلسل الأوراق والصفحات، والذي لا أشك فيه أنها كتبت بعد سنة 1350ه لوجود بعض الإشارات التي تؤكد ذلك . ثالثاً: محتويات المخطوطة: تضمنت المخطوطة عددا كبيرا من القصائد بلغ 97 قصيدة ل68 شاعراً بمجموع 2188 بيتاً من الشعر ويمكننا القول بأنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام مختلفة من القصائد فصلناها في تحقيقنا للمخطوطة. ومن وفيات القرن الثالث عشر الذين وردوا في هذه المخطوطة من الشعراء محسن الهزاني وعبدالله الرشيد وأحمد أبوعنقا والإمام تركي بن عبدالله وسليمان بن عفالق ومبارك بن أوميم الدوسري وزيد الخوير وغيرهم . ومن وفيات القرن الرابع عشر من الشعراء سليم عبدالحي ومحمد بن مسلم وعبدالله الفرج وراكان بن حثلين ودغيم الظلماوي وسعد المهندي والصعيليك والغصاص وعلي الحميدة وابن طريخم والفويه والسكران وغيرهم. تتميز هذه المخطوطة بورود قصائد لعدد غير قليل من الشعراء غير المعروفين والذين لم يسبق نشر قصائدهم من قبل ك "حسان الكويتي وابن عليوي الأحسائي ونعمة الله بن عفالق وبدر بن مديفع الهذال وغيرهم" ، كما تتميز بورود قصائد غير معروفة لشعراء معروفين ك"علي الحميدة وسعد بن علي المهندي والعبيدية وغيرهم". تتسم المخطوطة بشمولها الجغرافي حيث تورد قصائد لشعراء من نجد والأحساء وقطر والكويت والزبير مما يعطي انطباعاً عن أهميتها وإن كان تركيزها على شعراء القرن الرابع عشر. وقد أورد المؤلف لمحسن الهزاني عشر قصائد كأكبر عدد يرد لشاعر واحد يليه الفرج والعيار بأربع قصائد ثم ابن حثلين والعبيدية بثلاث قصائد ويأتي بقية الشعراء على قصيدة وقصيدتين كما يوجد في المخطوطة إحدى عشرة قصيدة مجهولة الشعراء. والمؤلف يكتب بلهجة أهل الخليج العربي ولا تخلو كتابته من الأخطاء الإملائية أو الأخطاء في نسبة بعض القصائد وعنده أخطاء قليلة في أسماء الشعراء. رابعاً: نماذج من القصائد: قال سليمان بن عفالق: هات الدواة ودنّ لي طلحيَّة وأخبر حبيبي عن بعض ما فيَّه عساه يرحمني يروف بْحالي قبل تْفتّت مهجتي موليَّه ويشوف ماسوّى الهوى في حالي وينظر لْجفنٍ من سفوحه حالي والجسم منّي زايد الأنحالي وسيف الهوى مكّن صوابه فيّه وقال شاعر مجهول: ياهيه يالظبي العفر يالله عليك أين المفر؟ إن كان في قتلي ظفر فالله خصيم العايلات يابدر سبعٍ مع سبع زين الحلايا والطبع سنه ثمانٍ مع سبع وأربع سنينٍ بالثبات وقال سويد السلات: يا جّر قلبي جّر، غربٍ تحدّر وأقفت تجّره جّر، عجفا سنامِ من طول مجذوبه، تفايح غْروبه ومن حلو مشروبه، يسقي الظوامي على حسين الدّل، زين المعزّل عليه دمعي هلّ، مثل الغمامِ ريحه زباد (عْقيل)، ومخالطه هيل يا ويل عيني ويل، جيعان ظامي خامساً: نسبة المخطوطة للشيخ العسافي إن نسبة هذه المخطوطة إلى الشيخ العسافي جاء بسبب وجودها ضمن مكتبته خاصة إذا علمنا أنه كان من المهتمين المدونين للشعر النبطي حيث تشير مصادر ترجمته إلى تأليف مجموع كبير اسمه (الزهر الملتقط من شعر النبط) وقد أشار إليه الشيخ في أكثر من موضع ضمن أوراقه ومؤلفاته المخطوطة، ومكتبة جامعة الإمام اعتمدت على هذا الأساس في فهرستها للمخطوطة في ظل خلو المخطوطة من اسم المؤلف، ولكني بعد دراستي للمخطوطة اتضح أن مؤلفها كتبها قاصداً إرسالها إلى شخص معين كان بينه وبينه مراسلات ومناقشات حول بعض القصائد والشعراء فقام بتزويده بالمعلومات التي طلبها وزاد عليها، الأمر الذي جعلني أرجح أنها مرسلة للشيخ العسافي وليست من تأليفه، وعلى ضوء ما ثبت عندي من الشواهد والدلائل رجحت نسبتها إلى مؤلف آخر تربطه علاقة أدبية بالعسافي وهو ما سأتطرق إليه في مقال آخر ، كما سيجده القارئ الكريم في ثنايا الكتاب بعد صدوره بإذن الله. إحدى قصائد الهزاني