خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الشهر أقيمت في فرنسا ثلاث تظاهرات فنية كبرى خاصة برسوم الكاريكاتور ولم تقتصر على رسامي الكاريكاتور الفرنسيين، بل ضمت رسامي كاريكاتور من مختلف انحاء العالم. اولى هذه التظاهرات سميت ب"الصالون الدولي التاسع عشر للرسوم الصحافية والساخرة"، أقيمت في سان جوستا لومارتيل، وتعتبر إحدى أهم تظاهرات الكاريكاتور في اوروبا. ما يميز تظاهرة هذا العام هو حضور عدد كبير من رسامي الكاريكاتور الى فاعلياتها. فقد اشترك زهاء 130 رساماً، حضر منهم اكثر من ستين رساماً. عرضت الأعمال المشاركة ضمن خيمة كبيرة، تبلغ مساحتها حولى 2000 م2. وإذا كانت التظاهرة مخصصة للرسوم الكاريكاتورية الصحافية، فإنها لم تخلُ من الفاعليات الساخرة الأخرى التي أقيمت على هامشها. فقد عمد القائمون على التظاهرة إلى إقامة ثلاثة معارض في ثلاث زوايا مستقلة، المعرض الاول عن التلوث، والثاني عن المرأة، والثالث عن الهواتف المحمولة. إضافة الى عرض مباشر امام الجمهور من قبل الرسام PIEM، فضلاً عن معرض استعادي رائع لرسام البورتريهات "سولو" الذي توفي العام الماضي، وكان قد أغنى التظاهرات السابقة للصالون الدولي للرسوم الصحافية بحضوره الشخصي والفني. ولما كانت التظاهرة تخص الرسوم الساخرة فإن الجائزة الخاصة بها لا تقل سخرية عن الرسوم المعروضة، فقد خصصت جائزة رمزية للفنان الفائز كل عام هي "بقرة" حقيقية. وهذا يعود الى شهرة المنطقة والمدينة التي تقام التظاهرة على أراضيها بتربية الأبقار، وعادة ما يهدي الرسام الفائز الجائزة الى زملائه الرسامين الآخرين فتتحول الجائزة الى وجبة شهية في اليوم الثاني، يأكلها الفنانون المشاركون. ويمكن الاشارة هنا الى ان شعار التظاهرة نفسه هو بقرة حمراء يمتطيها دون كيشوت، فيما يبدو خلفه صديقه سانشو ممتطياً هو الآخر بقرة أخرى. بقرة هذه السنة فاز بها الرسام الفرنسي الشهير "فولونسكي". أما الحضور العربي في هذه التظاهرة فكان لا بأس به. فقد عرضت بورتريهات لجورج البهجوري فضلاً عن رسوم سياسية ليوسف عبدلكي وحبيب حداد ولرسام كاريكاتور سعودي شاب يعرض للمرة الاولى اسمه "المفلوت". لا ينزل الفنانون المشاركون في التظاهرة في فنادق، بل يستقبلهم فلاحو أو سكان المدينة في بيوتهم، وهذا ما من شأنه إقامة علاقة صداقة قد تستمر بعد نهاية التظاهرة، خصوصاً ان عدداً كبيراً من الفلاحين وسكان المدينة بلغ عددهم أكثر من 200 شخص يتطوعون للمساعدة في تنظيم التظاهرة، ومساعدة الفنانين للانتقال وغير ذلك من المساعدات اليومية. إذا كانت التظاهرة الاولى قديمة العهد، فإن التظاهرة الثانية التي نظمتها مجلة "المراسلة الدولية" التي تختار موادها من رسوم الكاريكاتور المنشورة في صحف العالم، تقام للمرة الثانية بعنوان "الأيام الدولية للرسوم الصحافية" وقد شارك في هذه التظاهرة 142 رساماً معظمهم من الفرنسيين او الناطقين بالفرنسية، ما يميز المشاركين هو انهم فنانون مشهورون، لهم حضورهم الفني وسمعتهم الكاريكاتورية: مثل الارجنتيني سابات والاميركيين اوليفنت وكال والروسي موتشالوف... الخ. حضور كبار رسامي الكاريكاتور في العالم الى هذه التظاهرة سمح للمشاهدين والزوار بالتعرف الى تجاربهم الكاريكاتورية. وطرائقهم واساليبهم في الرسم الكاريكاتوري، عن كثب. عرض كل رسام ثلاثة رسوم بطريقة طريفة إذ تم تعليق اللوحات بخيطان معلقة في فضاء المعرض، وهذا يعود الى التنظيم الممتاز للتظاهرة ومختلف فاعلياتها سواء من ناحية الديكور وطرائق العرض وعدد العاملين المتطوعين لخدمة الفنانين المشاركين والزوار ايضاً. الحضور العربي كان مميزاً فقد شارك في هذه التظاهرة رسامو كاريكاتور معروفون في العالم العربي من مصر: محيي الدين اللباد، جورج بهجوري، بهجت عثمان. ومن الجزائر: عمراني، ديلم، نسيم ومن لبنان: حبيب حداد، ستافرو ومن سورية: يوسف عبدلكي وسعد حاجو. حوت التظاهرة مفاجأتين عربيتين المفاجأة الاولى كانت مشاركة الرسامة الفلسطينية امية مواليد 1972 التي تعمل في الصحافة في مدينة رام الله، اما المفاجأة الثانية فهي اكتشاف رسام كاريكاتور لبناني من ام سويسرية، درس في اميركا، ويعمل في جنيف واسمه باتريك شاباط، جائزة التظاهرة لهذا العام ذهبت مناصفة بين الجزائري ديلم والياباني نوريو. ايضاً تمكن الاشارة الى المعرض الذي اقيم على هامش التظاهرة الاساسية والذي ضم مئة رسمة كاريكاتورية لمئة رسام انكليزي خلال القرن العشرين ما اتاح للمشاركين والزوار الاطلاع على رسوم كاريكاتورية لمعلمي هذا الفن مثل سكارف، لو، ستيدمن. التظاهرة الكاريكاتورية الثالثة اقيمت في مدينة سان استيف الواقعة قرب الحدود الاسبانية بعنوان "المهرجان الدولي للكاريكاتور في سان استيف" ويعود تاريخ تظاهرة سان استيف للكاريكاتور الى اكثر من خمسة عشر عاماً، وهي تمتاز مقارنة مع تظاهرتي "الصالون الدولي للرسوم الصحافية والساخرة" و"الايام الدولية للرسوم الصحافية" بقلّة عدد المشاركين من رسامي الكاريكاتور. لكن قلة المشاركين وازاها اشتراك كل رسام بعدد كبير من الاعمال الكاريكاتورية. وهذا يعود الى الاختيارات الفنية الشديدة الصعوبة التي تختار بموجبها لجنة التظاهرة الفنانين. تم التركيز في تظاهرة سان استيف هذه على البورتريهات الكاريكاتورية، إضافة لتيمة التظاهرة الاساسية لهذا العام وهي السيرك. إلا ان هذا الموضوع لم يكن إجبارياً. تم في تظاهرة هذا العام اهتمام كبير برسامي الكاريكاتور البرتغاليين. فقد أقيم معرض لرسوم الكاريكاتور الفائزة بجوائز البرتغال للكاريكاتور على مدى اربعة عشر عاماً، ما أتاح للمشاهدين الاطلاع على المستويات الفنية للكاريكاتور في البرتغال في مواضيعه، وتوجهاته، وتياراته الفنية الاساسية. وتم أيضاً إقامة معرض آخر على هامش التظاهرة خصص للبورتريهات البرتغالية للرسام انطونيو الذي يعتبر من اهم رسامي الصحف في بلده. أما مفاجأة المهرجان الدولي للكاريكاتور في سان استيف لهذا العام فهي حضور رسام الكاريكاتور البرازيلي الشهير "لوريدانو" الذي يعتبر احد اهم رسامي البورتريهات في العالم واكثرهم تميزاً. الحضور العربي في سان استيف اقتصر على رسام الكاريكاتور السوري يوسف عبدلكي الذي عرض رسوماً كاريكاتورية سياسية إضافة الى ثلاثة بورتريهات للرئيس حافظ الاسد كان الفنان انجزها قبل وفاة الأخير بأشهر. وعموماً كان هناك ثلاثة انواع مختلفة من رسوم الكاريكاتور مشاركة في التظاهرات الثلاث: النوع الاول هو رسوم الكاريكاتور الساخرة التي تتناول الوجوه، والنوع الثاني هو الرسوم الساخرة السياسية الصحافية، وهي الرسوم الاوسع انتشاراً في البلدان العربية والتي اصطلح على تسميتها عربياً ب"الكاريكاتور"، والنوع الثالث هو الرسوم الساخرة التي تتناول المواقف والمفارقات الاجتماعية والفنية وغيرها، لكن ثمة ما يجمع ما بين فناني كاريكاتور ينتمون الى دول بعينها، من ناحية المواضيع المتناولة. فكاريكاتوريو الدول العربية وايران وتركيا وأفريقيا غالباً ما تناولت رسومهم مواضيع مثل حرية التعبير، الرقابة، القمع السلطوي، الحركات الدينية، الفقر... الخ. اما رسامو الكاريكاتور الاوروبيون فقد تناولوا في رسومهم المشكلات السياسية الداخلية ضمن بلدانهم، والتناقضات والصراعات بين الاحزاب السياسية، اما الفنانون الاميركيون والانكليز فقد تناولوا مواضيع كالفضائح والتلوث والانتخابات، وغير ذلك من المشكلات والمواضيع الخاصة بأميركا وانكلترا. فيما فنانون من دول مثل يوغسلافيا، بولونيا، روسيا فقد كانت تطغى على رسومهم مواضيع البيروقراطية، حرية التعبير، فضلاً عن افكار انسانية اخرى. يبقى اخيراً ما يجمع كل الفنانين من كل انحاء العالم الذين شاركوا في التظاهرات الكاريكاتورية الثلاث هو رسوم الصحافة التي ترافق الاحداث السياسية وتعلق عليها وتأخذ موقفاً منها. وكل بحسب نسبة حرية التعبير الموجودة في بلده.