يُظهر رسام الكاريكاتور السوري حسن إدلبي في معرضه المقام حالياً في صالة «آرت كوتور» في دبي برعاية الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، موهبة جديدة خلاقة لا يعرفها متابعوه أو المعجبون برسوماته الساخرة والهزلية. هنا تحوّلت ريشة إدلبي من ساخرة وكوميدية ونقدية الى ريشة تشكيلية بامتياز. يذهب إدلبي في لوحاته الجديدة إلى التشكيل والأسلوب التعبيري، مستفيداً من مخزون الكاريكاتور، خصوصاً في الوجوه التي كانت تحمل ملامح أصحاب الرسوم بتفاصيل دقيقة. يرسم من دون الاتكاء على صورة أو شخصيه معينة أو موديل، يرسم مواجهاً بياض اللوحة وكأنه يحاول إحراق سفن الكاريكاتور، في المعنى الشكلي، والدخول في لحظة لا تعرف المساومة. يغيب الكاريكاتور، من ناحية الشكل، ولكنه حاضر من ناحية المبالغة وتحطيم الأشكال وإعادة صياغتها من جديد، في لحظه ارتجالية فيها من الحرية التي لا تتحقق في الكاريكاتور. ما يقدمه إدلبي في تجربته الجديدة، ليس جديداً بدوره، فهناك كثير من الفنانين أمثال حلمي التوني ويوسف عبدلكي وجورج بهجوري، كانوا يرسمون بأساليب تجمع بين الكاريكاتور والتشكيل. وإدلبي في هذه التجربة، كمن يحاول فتح الباب بين الكاريكاتور والتشكيل، فيكتشف أن الباب مفتوح أصلاً ولكن البعض لا ينتبه له. وحول هذه التجربة قال الدكتور محمود شاهين ل «الحياة» إن إدلبي يجتهد في ألا يطول استقراره في جنس محدد من أجناس الفن التشكيلي. وأضاف: «إدلبي الذي عرف في رسم الوجوه بأسلوب واقعي كاريكاتيري، يذهب بالمتلقي مباشرة على صاحب الوجه الذي اختاره في البداية. من محيطه الأقرب ثم وسع دائرة هذا المحيط، ليشمل وجوهاً معروفة في الوسط الثقافي والفني السوري والعربي. وسرعان ما أضاف إلى ذلك، الرسم التوضيحي المشغول بالحس الكاريكاتوري الأنيس الوقع في عين وإحساس المتلقي». ويرى شاهين أن «انتقال إدلبي إلى الرسمة الكاريكاتورية الخالصة المكرسة لمواضيع حياتية راهنة ومختلفة، وقيامه بخلط كل هذه الفنون ببعضها، يحقق فناً جديداً يتماهي فيه الكاريكاتور بالتصوير، والرسم التوضيحي بالإعلان، وتحوير الوجوه بالنزعة التعبيرية التي بدأت لديه خجولة الحضور، ثم نمت وتطورت آخذة حضوراً لافتاً في لوحة مسندية جديدة». ويشير شاهين الى أن «لوحة إدلبي هنا لا تتنكر للأصول الكاريكاتورية التي جاءت منها ولا تغرق نفسها فيها، ما يجعلها تقف في البرزخ الفاصل بين «اللوحة الكاريكاتورية» و «اللوحة التعبيرية» وكأنها بذلك، تعد العدة للانطلاق إلى حقل فني جديد». وفي هذه التجربة الجديدة، يتمكن إدلبي من التعبير في شكل أفضل، «عما كبر فيه من أحاسيس وعواطف وتغيرات نفسية وجسدية، عبر تأملات عميقة، في قضايا حياتية ضاغطة، طاولت كيانه بشقيه الفيزيولوجي والسايكولوجي»، يشرح شاهين. ويضيف: «هذا الأمر لا يقدر فن «الكاريكاتور» على احتضانه وعكسه والتعبير عنه، لارتباطه الوثيق بوجدان الفنان، من جهة، وبخبرته التقانية وثقافته البصرية، من جهة أخرى». ما يقدمه حسن إدلبي في المعرض، الذي يستمر حتى 26 نيسان (أبريل)، «لوحة تعبيرية تتشابه وتتكرر فيها وضعيات وعناصر كثيرة، لكنها تحمل في الوقت نفسه، نزعة واضحة للتجديد والإضافة والاختزال المعبر القائم على تكثيف الشكل، وتعميق دلالاته في آن معاً». ويذكر شاهين في قراءته لتجربة الفنان أن «إدلبي مسكون بحالة من الحراك الفني الدائم، تتطلب متابعة الاشتغال عليها، والمضي بها إلى آفاق جديدة، تنتظره فيها قطوف ساحة، لا بد أن توفر له المزيد من المتع العميقة».