تثير المشاورات المفاجئة التي اجراها المبعوث الاميركي الى الشرق الأوسط دنيس روس في لندن أمس، بعض التساؤلات وسط أجواء الغموض التي لا تزال تكتنف المبادرة التي يفترض ان واشنطن تضطلع بها حالياً لكسر الجمود في عملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل. وتأتي مشاورات روس في وزارة الخارجية البريطانية قبل ايام من رحلته المقبلة الى المنطقة، التي ستكون الثانية في غضون بضعة اسابيع من جولته الأولى التي أفشلها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامن نتانياهو برفضه القبول بالخطوط العريضة للمبادرة الاميركية. كما تأتي مشاوراته قبل الجولة التي سيقوم بها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على المنطقة والتي ما زال جدولها غير مكتمل الى الآن لكن من المفترض ان يشمل زيارته لاسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية ودولاً أخرى منها مصر والمملكة العربية السعودية. وأول تساؤل تثيره مشاورات روس في لندن، برغم أهمية التنسيق بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي الذي ترأسه بريطانيا حالياً بالنسبة الى عملية السلام، يتعلق بعدم اعلان اميركا الى الآن رسمياً اي تفاصيل عن مبادرتها التي يفترض انها تحاول بها تحريك المسيرة السلمية. ذلك ان كل ما تسرب عن تلك المبادرة هو أنها تطالب اسرائيل بالانسحاب من 13.1 في المئة من الضفة الغربية وبالكف عن سياسة الاستيطان مقابل تعزيز الفلسطينيين اجراءاتهم ضد أعمال العنف وتقوية التنسيق الأمني مع اسرائيل. والواضح من خلال ما فعله روس في جولته الأخيرة هو انه عرض الأمور على الجانب الفلسطيني بطريقة مجتزأة وليس في صورة مبادرة متكاملة ربما بأمل الحصول على المزيد من التنازلات بعدما أدرك ان نتانياهو يرفض التزحزح عن موقفه الرافض لأي انسحاب يفوق 9 في المئة من أراضي الضفة والمصرّ على بناء المزيد من المستوطنات في أي منطقة منها بحجة ضمان أمن اسرائيل. ويبدو ان خوف ادارة بيل كلينتون من اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة والكونغرس الاميركي الموالي بقوة لحكومة نتانياهو قد حال دون اعلانها ان حكومة نتانياهو هي المسؤولة عن الجمود الحالي، لا بل عن الانهيار شبه الكامل لعملية السلام. وأثبتت حركات سلام اسرائيلية عدة أمس أنها أكثر شجاعة اخلاقياً من ادارة كلينتون بإلقائها المسؤولية عن فشل عملية السلام على كاهل نتانياهو الذي قالت في رسائل وجهتها الى كلينتون وبلير والأمين العام للامم المتحدة كوفي انان انه يفضل احتلال الأراضي العربية على السلام مع العرب. وليس من المعروف كيف ستتقاطع، أو تتكامل، جولة بلير على المنطقة مع جولة روس المقبلة، لكن الأمر الذي تؤكده لندن هو ان الاتحاد الأوروبي يدعم المبادرة الاميركية بقوة. لقد أبدى وزير الخارجية البريطاني روبن كوك جرأة نادرة خلال زيارته لاسرائيل والأراضي الفلسطينية بإصراره على زيارة جبل أبو غنيم وقرية دار ياسين، وهما موقعان يرمزان بقوة الى بطش اسرائيل والمخطط الذي طالما درجت على تنفيذه: ترحيل السكان الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم والبناء عليها لليهود وحرمان الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال من رخص البناء. ومع ادراك محدودية الدور الأوروبي تحت الرئاسة البريطانية، يؤمل ألا يخصص بلير زيارته لإسرائيل للاعتذار عن جرأة الوزير كوك وشجاعته.