سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقارير خبراء مصارف فرنسية ولجان تابعة للاتحاد الأوروبي : الحكومة التونسية لا تزال تتبع سياسة اقتصادية موجهة لا تترك هوامش تحرك كافية للقطاع المصرفي والبورصة
تقاطعت خلاصة التقارير التي توصل إليها بنهاية الفصل الأول من 1998 مجموعة من المصارف التجارية الفرنسية العاملة على تقويم الاقتصاد التونسي وتحديد آفاقه المستقبلية مع تلك التي أعدتها اللجان الفرعية التابعة للاتحاد الأوروبي، إذ لحظت هذه الخلاصات مجتمعة أنه بالمقارنة مع باقي دول اتحاد المغرب العربي الأخرى، عمدت تونس إلى وضع أسس لاقتصاد يمكن اعتباره اليوم بمثابة المتنوع نسبياً والقليل التبعية بحدود للثروات الطبيعية المتوافرة. وتشير هذه التقارير إلى أنه بغض النظر عن الأهمية التقليدية للنشاطات العائدة لقطاعي الزراعة والمعادن، كونها تمثل نحو 20 في المئة من ناتج الدخل القومي، فإن القطاع الصناعي الذي بلغ معدل نموه 3،7 في المئة عام 1997، والقفزة النوعية التي حققها قطاع الخدمات في الأعوام الثلاثة الماضية، لعبتا دوراً مميزاً في تعزيز بنية اقتصاد البلاد. ويرى خبراء المصارف التي ساهمت بإعداد هذه التقارير أن السلطات الاقتصادية التونسية المختصة أحسنت منذ مرحلة ما بعد الاستقلال قراءة ضرورة التراكم التدرجي المستند إلى الانفتاح نحو الخارج وإلى إملاء شروط الفعالية، إضافة إلى التطوير المستمر للانتاجية في الميادين التي يمكن للرأسمال الوطني التواجد فيها. الاستفادة من الفرص ولحظت هذه التقارير من ناحية أخرى، أن الصادرات الزراعية، باستثناء الحبوب والسكر، تغطي حالياً حاجات الاستيراد الغذائي، لكن مع ذلك يواجه زيت الزيتون، الذي يشكل نسبة كبيرة من هذه الصادرات، صعوبات على مستوى التصريف نتيجة العراقيل التي يضعها في طريقه العديد من القائمين على أسواق دول الاتحاد الأوروبي. ويقابل ذلك نجاحات ملموسة حققتها السياحة التي بلغت عائداتها 2،1 بليون دولار في العام الماضي، ومن المتوقع أن تصل إلى حدود البليوني دولار في السنة 2001. فالجهود المبذولة من أجل تنويع هذه السياحة وادخال منتجات جديدة عليها كرفع مستوى الخدمات التي تجذب نوعية مختلفة من السياح، أو خلق مجالات جديدة كالسياحة الشتوية والصحراوية، من شأنها أن تضاعف حجم هذه العائدات التي لا بد وأن تنعكس ايجاباً على البيئة التونسية المحيطة. وعلى أي حال، يمكن القول إن العائدات الحالية سمحت بتدفقات مالية من النوع الثابت على شكل مداخيل بالعملات الأجنبية الضرورية لإحداث التوازن في ميزان المدفوعات الخارجية، الذي يقارب ال 50 في المئة من الصادرات من البضائع. وتركز التقارير على استفادة الاقتصاد التونسي بشكل عام من النشاطات المترافقة مع عمليات التصدير وتقديم الخدمات، إذ وظف بمهارة الاختلالات والأزمات التي مرت بها ولا تزال بضع دول الجوار. وعملت غالبية قطاعات الاقتصاد التونسي، من جهة، على تأمين حاجات مواطني هذه الدول من المواد الاستهلاكية التي لا توفرها أسواقها لأسباب مختلفة. كما واستطاعت، من جهة أخرى، تحويل سوقها المالية والمصرفية إلى نقطة جذب لمستثمري وتجار هذه الدول، ينطلقون عبرها لانجاز عملياتهم التجارية والمالية في دول القارة الافريقية وأوروبا. في هذا السياق، تؤكد التقارير عينها بأن تونس نجحت بشكل خاص، ونتيجة إدارتها الحازمة في تعبئة قدراتها وإبراز الفرص التي تتيحها قطاعاتها، إضافة إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي الملحوظ، بتحقيق دينامية ثابتة ساعدت على إعادة التوزيع الانتاجي على المدى الطويل. فمستوى دخل الفرد، الذي كان يعد من المستويات الضعيفة، تجاوز اليوم المستوى الموجود في الجزائر الذي كان أعلى نسبة بكثير في سنوات السبعينات وحتى ما بعد منتصف الثمانينات. ويقدر دخل الفرد التونسي بالقيمة الاسمية الآن بنحو 2200 دولار، أي ما يوازي ال 5000 دولار من وجهة تقويم القوة الشرائية. وتنظر لجان الاتحاد الأوروبي المتابعة للاقتصاد التونسي بارتياح لنمو الطلب الداخلي الذي يتزايد سنوياً بمعدل ثلاثة إلى خمسة في المئة منذ عشرة أعوام. أما بالنسبة للأجور، التي يتم التفاوض عليها بين السلطات والنقابات والمسموح بها، فهي مستقرة عموماً بحيث أنها تنمو لتسبق بقليل معدلات التضخم. أخيراً، ترى هذه اللجان أن الاستثمارات العامة في البنيات الاقتصادية والاجتماعية تبقى على الدوام في رأس أولويات الدولة. معادلة الحذر والاستقرار في المقابل، يعتبر خبراء البنوك الفرنسية واضعة التقرير أن الصعوبات الأكبر التي تواجه الاقتصاد التونسي تتمحور في الغالب ضمن نطاق التجارة الخارجية. لكن، يمكن لهذا البلد أن يستدين من الأسواق المالية العالمية وجذب المستثمرين نظراً لاعتدال حجم اقتراضه الخارجي. مع ذلك، ترفض الدولة التونسية اللجوء إلى اعتماد اجراءات مالية أو نقدية متسرعة خوفاً من فقدان سيطرتها على الاقتصاد وبالتالي تعريض سيادة البلد في هذا المجال لأي نوع من المخاطر التي يمكن أن تنعكس على استقراره بشقيه الاقتصادي والسياسي. وتفضل السلطات التونسية المختصة السير وفق خطوات مدروسة ولو بطيئة على رغم ان دور تونس الاقليمي، الهادف للانخراط بقوة في الاقتصاد العالمي، يمكن أن يتأخر عن مواعيده المحددة. وعلى رغم ذلك، باستطاعة تونس ترسيخ علاقات تجارية بنيوية مع جيرانها في الجنوب، بشرط أن يتمكن هؤلاء من التوصل إلى تحقيق معدلات نمو معتدلة واستقرار نسبي دائم. وبانتظار ذلك، فإن اتفاق الشراكة الموقع مع أوروبا لا يمكن ان يفي بالمطلوب، فالنتائج الأولية لا تزال محدودة إذا لم نقل هشة. وتعلق خلاصة التقارير أهمية استثنائية على استمرار السياسة المتبعة منذ تشرين الثاني نوفمبر 1997 وحتى الآن والتي تشكل، حسب التحليلات الواردة، مفتاح الاستقرار والفعالية الاقتصادية. وإذا ما وضعنا جانباً الضغوطات التي تفرضها الموازنة، فمن الملاحظ ان الدولة التونسية لم تتراجع يوماً عن تحسين مستويات التعليم وتوفير الخدمات الاجتماعية بحدودها الدنيا وضمان حقوق المرأة والطفل ضمن قوانين عصرية واضحة. يضاف إلى ذلك، العمل الدؤوب الهادف إلى تعزيز وضعية الطبقة الوسطى التي أصبحت توازي اليوم ما نسبته 63 في المئة من المجتمع بالنسبة الأعلى في العالم العربي والتخطيط لاستيعاب الشباب عبر قنوات تتفاوت بين التوجيه نحو التعليم العالي والاختصاصات المتوسطة والتركيز على التأهيل بمفاهيمه المختلفة. بنتيجة ذلك، انعكست هذه السياسات ايجاباً على التصرف الاجتماعي حتى ولو بقيت التباينات المصلحية والمنازعات ذات الطابع الثقافي متجذرة بعمق لدى شريحة واسعة من المواطنين. أما خارج إطار قطاعات السياحة والزراعة والصناعات التحويلية، فقد شهدت المنتجات الزراعية الغذائية وصناعات الأدوية ومعدات البرامج الالكترونية قفزة كبيرة، خصوصاً بعد قيام كبريات الشركات الأوروبية: الفرنسية والايطالية والألمانية، على وجه الخصوص، بنقل فروع أساسية لمصانعها إلى تونس. بذلك، تخطى عدد الشركات الأجنبية والمختلطة سقف ال 1500 شركة بنهاية عام 1997، في حين وصل حجم الاستثمار الأجنبي في البلاد ما يقارب ال 5،4 بليون دولار. هذا في الوقت الذي أصبحت فيه القيمة الاجمالية للواردات تمثل 40 في المئة من الناتج الوطني، مما يفسر التوجه الثابت لدى الدولة بالانفتاح على الخارج. ويلاحظ كذلك، بأن دينامية الصادرات، إضافة إلى التحويلات المهمة، سمحت بالمقابل بجعل الميزان التجاري الجاري وتراكم الدين في مستويات جد معقولة. وجاء النمو الديموغرافي المحافظ على وتيرته المنخفضة منذ سنوات بعيدة ليعزز النتائج المحققة. انفتاح، إصلاحات وبيروقراطية في ما يتعلق بالمستقبل، تشير التقارير إلى وجوب تركيز السلطات التونسية على جعل البلد قاعدة ملائمة للاستثمار، خصوصاً في قطاع صناعة الأدوية والسيارات والمنتجات الكيماوية، وأيضاً في ميدان الخدمات. ويعتقد خبراء بروكسيل أن العائدات السياحية وتحويلات العاملين في الخارج ستبقى على حالها في المدى المنظور، بمعنى أنها ستساعد على اضفاء حال من البحبوحة المالية النسبية التي تسمح بمعدلات واقعية للاقتراض الخارجي وبتقدير جيد للمخاطر المالية للبلد التي تحدد نسبتها مؤسسات تقدير الجدارة الائتمانية والتي تسهل فتح الأسواق المالية العالمية بشكل أسهل. في المقابل، يعتبر هؤلاء الخبراء بأن الحكومة التونسية لا تزال تتبع سياسة اقتصادية ومالية موجهة، مترافقة مع إدارة نقدية حذرة، لا تترك هوامش تحرك كافية لا للنشاط المصرفي في المدى القصير، ولا لعمليات المضاربة في البورصة، مما يزعج أصحاب الرساميل المتحركة، لكن الاصلاحات الاقتصادية التي كانت تتم في السابق ببطء مزعج بحجة المحافظة على مصالح الخزينة، تسارعت منذ توقيع اتفاق الشراكة والتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تنتقل هذه الاصلاحات نفسها إلى القطاع المصرفي والخدمات المالية والبنيات التحتية. مع ذلك، فإن أي تسريع اضافي للاصلاحات على صعيد المؤسسات العامة والمصارف، من شأنه أن يصطدم بتدخل البيروقراطية التقليدية للدولة، التي سمحت مع ذلك حتى الآن بتحقيق نجاحات مؤكدة في مجال الإدارة الاقتصادية للبلاد. على أي حال، فمن المتوقع، وبغض النظر عن المعوقات الموجودة، أو التي ستحدث، ان يتم تخصيص 50 في المئة من المؤسسات العامة من الآن وحتى نهاية السنة الجارية. من جهته، فإن القطاع المالي مدعو هو الآخر لفتح أبوابه وتحسين ادائه بشكل أكبر. فالمشاركة مع الرأسمال الأجنبي، الأمر الذي بات محتماً، سيكون لصالح مجمل النظام المالي، كما أنها ستساعد على الاستفادة من النجاحات التي ستتحقق من جراء تحرير الاقتصاد وتوجيه الإدخار نحو الأقنية والأدوات الملائمة، هذا في الوقت الذي ستساهم فيه بتعزيز الممارسات التنافسية الجارية في السوق المالية. وفي مجال البنيات التحتية، التزمت السلطات التونسية بوضع صيغ لإعطاء تراخيص للقطاع الخاص الأجنبي في قطاعات تكون فيها المخاطر التجارية مغطاة من قبل الدولة. ويتعلق الأمر هنا بمجالات الطاقة، وبالبنيات التحتية الخاصة بالهاتف وتوزيع الماء. وتخلص التقارير إلى أن الأمر بالنسبة لباقي دول المغرب العربي يبقى مختلفاً، فالإدارات المالية لا تبدو متطابقة مع الحاجات، فالمستثمرون في المحفظات المالية يجنون ارباحاً معقولة، لكن اثار هذه العمليات على اقتصاد البلاد لا تزال محدودة. فالتردد حيال الاستثمار المنتج عائد لبيئة لا تزال تتفاعل سلباً. فالفرص تقل هنا عن الرساميل، فالسياسة الانتظارية شائعة في الجزائر، على سبيل المثال، أكثر منها في تونس أو المغرب. لذا فالمستقبل مرتبط بالتحولات الداخلية وبتجانس الطبقات الوسطى التي باتت تمارس اليوم دوراً ريادياً في توجيه السياسات الاقتصادية في دول شمال افريقيا.