تنتظر الاوساط المالية والاقتصادية في المغرب اعلان الحكومة الجديدة بعد انتهاء عطلة عيد الفطر السعيد. ويرجح ان تشارك في الحكومة احزاب من المعارضة ظلت خارج الحكم فترة اربعين عاماً. وتميل جل التقديرات الى قيام تحالف بين الاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للاحرار وسط لتشكيل الحكومة. وأظهر استطلاع للرأي، شمل رؤساء شركات في الدار البيضاء وتضمن اسئلة حول التعاطي المرتقب مع الملفات الاقتصادية في حال تشكيل حكومة جديدة، ان نسبة 61 في المئة من رجال الاعمال والمسؤولين الاقتصاديين اعربت عن تفاؤل في الظروف الاقتصادية المغربية السنة الجارية مقابل 36 في المئة اعربت عن تشاؤمها في حين لم تبد نسبة ثلاثة في المئة من الذين شملهم الاستطلاع اي رأي. وجاءت الاجوبة على شكل تصنيف للأولويات الاقتصادية والمالية الواجب معالجتها من وجهة القطاع الخاص. وأظهر ملخص لنتائج الاستطلاع الذي قامت به مؤسسة اعلامية مستقلة ان "كفة التفاؤل تبدو عالية في المسألة الاقتصادية والمالية مقابل تحفظ وتشاؤم في المسألة الاجتماعية التي تحتاج الى مزيد من الاهتمام". ويعتقد المُستجوبون، مع تباين في تصنيف الاولويات، ان الاسراع في معالجة ملفات العمل والسكن والتعليم والصحة وتأهيل المقاولات والعناية بمشاريع الشباب وتحسين مناخ الادارة والاستثمارات ضمن الملفات التي يمكن ان تبتها الحكومة المقبلة. ويجمع الخبراء على انه "مهما تكن نوعية الحكومة المتوقعة في المغرب فهي ستصادف بداية تحسن في الاداء الاقتصادي بعد فترة ركود عام 1997، تراجع فيه نمو الدخل السنوي الفردي الى ناقص 2.2 في المئة. وتصدر جهات اقتصادية مختلفة توقعات جديدة في شأن نسبة النمو المنتظرة نهاية 1998. وبعدما كانت التقديرات الاولية مطلع السنة تضع ارقاماً ونسباً تراوح بين 5 و6و7 في المئة، قال "المركز المغربي للظرفية" الاسبوع الماضي ان نسبة النمو في اجمالي الناتج المحلي قد تصل الى 8.2 في المئة في نهاية العام مصححاً بذلك تقديراته الاولية التي كانت تقل بنحو نقطة ونصف النقطة. وقالت احصاءات اعدتها وزارة التخطيط والسكان في نهاية رمضان ان نسبة النمو لن تقل عن 9 في المئة من اجمالي الناتج الاجمالي على أساس توقعات في الانتاج الزراعي في حدود 75 مليون قنطار وتضخم لا يزيد على ثلاثة في المئة. وأشارت مراجع مالية ومصرفية في الدار البيضاء اول من أمس الى امكانية تحقيق نمو اجمالي قد يصل الى 11 في المئة سنة 1998 وقد تستمر عام 1999 مع تزايد تأكيد مساهمة القطاع الزراعي بفعل الامطار الكثيفة التي تساقطت على اجزاء البلاد المختلفة. وتحسن اداء الانتاجية الداخلية خصوصاً في الصناعة والبناء والاشغال والطاقة والخدمات وراوحت بين 9 و5،3 في المئة. وتُقدم مراكز التوقعات الاقتصادية ارقاماً تفصيلية ايجابية لسنة 1998 تشمل استمرار انخفاض العجز المالي للخزينة نحو 2 في المئة، وتدني التضخم 3 في المئة، وارتفاع الطلب على الانتاج المغربي في السوق الدولية خصوصاً الفوسفات 10 في المئة، ما يعزز وضع الميزان التجاري، فضلاً عن احتمال استمرار انخفاض اسعار الطاقة وبعض المواد الاولية في السوق الدولية ومواصلة الانتعاش السياحي واستقرار تحويلات المهاجرين. وأشارت بعض الاحصاءات الى امكانية الاستفادة من التعثر الذي لحق بدول جنوب شرقي آسيا لجلب مزيد من الاستثمارات والتدفقات المالية، مع امكانية الحفاظ على حجم من الاستثمار الاجنبي في حدود بليون دولار سنوياً، وقيمة للديون الخارجية الى اقل من 50 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. ويُنتظر ان يبدأ المغرب قريباً في استخدام نظام التصنيف بما يمكنه من الاستفادة من السوق المالية الدولية في معالجة الديون الخارجية وتحسين الصورة الاستثمارية. وسيشتري 600 مليون دولار من السوق ويسدد قيمتها بديون قديمة متعاقد عليها بفائدة مرتفعة. وتقول بعض شركات الوساطة المالية، ومؤسسات الاستشارة لتوظيف الاموال، تتعامل داخل بورصة الدار البيضاء، ان الاقتصاد المغربي سيكون في وضعية افضل من تلك التي شهدها عام 1996 عندما بلغ النمو الاجمالي حاجز 7،11 في المئة، وهي تستند على نتائج الشركات المدرجة التي حققت اسهمها تطوراً في القيمة فاق متوسط ارتفاع المؤشر العام وانتهى بزيادة 49.2 في المئة على رغم الهزات الدولية. وتعتبر تلك الشركات ومنها فروع اجنبية ان اغلب المؤشرات تمهد لبلوغ نمو من رقمين في نهاية السنة وهو شيء جيد في وقت تضرر الاقتصاد الدولي من الازمة المالية في جنوب شرقي آسيا. لكن غالبية مراكز الدراسات المحلية تعتقد ان معدلات النمو المغربية غير مستقرة بين عام وآخر وهي بالتالي تخضع لتقلبات المناخ، مما يجعل اقتصاد المغرب يكاد يكون "قائماً على الماء". ويراوح النمو الحقيقي للأداء الاقتصادي المغربي بين 5،3 و4 في المئة على مدى متوسط، وهو معدل لا يكفي للاسراع بوتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتستند تلك الدراسات الى تحليل حجم النمو على امتداد التسعينات فهو اما عال مثلما حدث بين 1992 و1996 حيث يبلغ عشرة في المئة في المتوسط او ينزلق دون الصفر مثلما حدث بين 1993 و1997. والامر هنا لا يتعلق بالعد الفردي والمزدوج لكن بحجم الامطار ومعدل الانتاج الزراعي الذي يساهم بنحو 20 في المئة في اجمالي الناتج المحلي. وتسعى تلك المراكز حالياً الى اقامة ندوات حول امكانات تقليص الاعتماد على الزراعة في احتساب معدلات النمو. وينصح البنك الدولي المغرب بالسعي الى تحقيق نمو مستقر لا يقل عن 7 في المئة يتواصل لسنوات طويلة يمكن خلالها مضاعفة حجم الاستثمارات العمومية بنحو ثلاث مرات من حيث القيمة لتقترب من 30 في المئة الضرورية مقابل نحو 20 في المئة حالياً. وقال البنك الدولي في تقرير حديث ان المغرب "يملك شروط وثبة اقتصادية حقيقية لكن عوامل عدة تحد من هذه الامكانات ومنها تغير حجم الانتاج الزراعي". وأشار البنك الدولي في تقرير يشمل دول شمال افريقيا والشرق الاوسط ان تلك المنطقة "تحتاج الى استثمار نحو 60 بليون دولار في العقد المقبل في مشاريع مائية الشرب والري وعلى هذه الدول ان تؤمن معظم المبالغ المطلوبة عن طريق زيادة رسوم استهلاك الماء في المقام الاول". ويبني المغرب سداً كل سنة في خطة بدأها عام 1967 وتؤمن هذه السدود في المتوسط نحو نصف حاجيات الري الزراعية وتقدر الاحتياطات المتوافرة في السدود حالياً بنحو 11 بليون متر مكعب العام الجاري سترتفع الى 14 بليون متر مكعب بعد ذوبان الثلوج. ويشكل المطر وحده حافزاً نفسياً في الاقتصاد المغربي وهو ما يجعل الناس تزيد او تقلل الاستهلاك والانفاق قياساً على وجود المطر أو عدمه. وكان المغرب عدل قبل عامين تاريخ تطبيق الموازنة الى بداية كل صيف لمعرفة نتائج المحاصيل الزراعية مما سهل مهمة مراكز البحوث اذ يكفي تواجد المطر لتقديم توقعات جيدة ما دامت القطاعات الاخرى تنمو طبيعياً في متوسط 4 في المئة. وحتى وقت قريب كان المغرب يضطر الى تعدىل الموازنة اذا كان الموسم الزارعي ضعيفاً ويحتاج البلد الى واردات مهمة من الحبوب والانفاق على الاسر الريفية. وشكل هذا الوضع خسائر لصندوق القرض الزراعي زادت على 600 مليون دولار في الاعوام الاخيرة. ولن تضطر الرباط السنة الجارية الى استيراد كميات كبيرة من القمح ما يُوفر للمصرف المركزي نحو 500 مليون دولار قد تساعده في رفع احتياط القطع والنقد الاجنبي الى خمسة بلايين دولار في نهاية 1998. الدور الجديد للدولة ويرى المتتبعون ان ظروفاً ايجابية تم توافرها وقد تشكل انطلاقة جديدة للاقتصاد المحلي في حال استغلالها جيداً ويستند هؤلاء الى امكانات تحويل عائد النمو الى انعاش لقطاعات التشغيل والرعاية الصحية والاسكان والاشغال الكبرى. وكان معدل البطالة تراجع للمرة الاولى الى اقل من 17 في المئة. وعلى رغم ان اوساطاً اقتصادية لا تستبعد ان يكون الاداء الجيد المرتقب محفزاً لدخول تجربة الحكم بالنسبة لاحزاب اعتادت المعارضة لعقود، الا ان الاوساط تعتقد مع ذلك ان ما صدر عن تلك الهيئات السياسية من تطمينات وغمزات في اتجاه رجال الاعمال والمستثمرين والاقرار بالخيارات الاقتصادية المطبقة منذ عام 1983، شجعت القرار المالي والاقتصادي في المغرب على التعاطي ايجاباً مع التغيير المنتظر، بما في ذلك التركيز على اهمية الاصلاحات الاجتماعية بعد ان اقتصرت الفترة الماضية على الاصلاحات الهيكلية التي وضعت البلاد في مستوى الاسواق الناشئة.ويرى الاقتصاديون ان تسعى الحكومة الجديدة الى معالجة المخلفات الاجتماعية التي كان عامل الجفاف وتحرير الاسعار والمنافسة واقتصاد السوق سبباً في انزلاق مداخيل فئات اجتماعية عدة. ويحتاج المغرب الى زيادة الدخل الفردي بنحو 400 دولار حتى حدود 2005 للاستفادة من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي ويراوح حالياً بين 1100 و1200 دولار بعد كل من تونس والجزائر وليبيا. وكان السيد احمد عصمان رئيس التجمع الوطني للاحرار قال ل "الحياة" في وقت سابق انه في حالة المشاركة في الحكومة سيعمل حزبه على معاودة النظر في دور الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية مع الابقاء على الخيارات الليبرالية المتبعة وزيادة العناية بالجانب الاجتماعي في تأهيل المغرب لاستحقاقات العلاقة مع الاتحاد الاوروبي وشروط العولمة في القرن المقبل. ورأى عصمان، الذي شغل منصب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان سابقاً، ان التكامل بين القطاعين العام والخاص هو طريقة افضل للنمو المتوازن داخل مجتمع متماسك.