مع اقتراب موعد زيارة الرئيس بيل كلينتون الى أراضي السلطة الفلسطينية واقتراب موعد الرابع من أيار مايو 1999 الذي يفترض ان تنتهي فيه فترة الحكم الذاتي الفلسطيني وأن تبدأ عنده التسوية النهائية للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، يبدو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في حال من التخبط الشديد، النابع من ادراكه ان لحظة الحقيقة والحسم آتية... حقيقة ان الشعب الفلسطيني مصمم على ممارسة حقه في تقرير المصير واسترداد أراضيه التي احتلت في حرب 1967 ليقيم عليها دولته المستقلة. جاء نتانياهو الى الحكم عازماً على تصفية اتفاق أوسلو والعودة الى ايديولوجية "اسرائيل الكبرى"، أي الابقاء على احتلال الأراضي الفلسطينية وملئها ب "حقائق" على الأرض في شكل مستوطنات وطرق التفافية وتغلغل في حياة الفلسطينيين يجعلهم معتمدين في لقمة العيش على اسرائيل. غير أن هذه الايديولوجية لم تعد مقبولة كعملة سياسية متداولة دولياً ولا تؤخر زوالها سوى غطرسة القوة الاسرائيلية التي تحاول مقاومة مدّ عارم بات من المستحيل وقفه. كل الشروط السخيفة التي يحاول بها نتانياهو تجميد تنفيذ مذكرة واي ريفر شروط غير مقبولة وأعذار أقبح من ذنوب. انه لا يملك حق منع الفلسطينيين من اعلان قيام دولتهم على الأراضي التي احتلت بالقوة عام 1967 لأسباب بسيطة واضحة منها ان الشعب الفلسطيني يملك وسيمارس حقه في تقرير مصيره اسوة ببقية شعوب العالم، وهذا حق مكرس في ميثاق الأممالمتحدة. والقرارات الدولية، خصوصاً القرار 242، واضحة تطالب اسرائيل بانهاء احتلالها للأراضي العربية التي احتلت عام 1967. ان الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية المجزأة الى أ وب وج والتي تقسمها المستوطنات والطرق الالتفافية الخاصة بالمستوطنين هو نسخة طبق الأصل، وربما اسوأ، عن نظام التفرقة العنصرية البائد في جنوب افريقيا، ولا يمكن للمجتمع الدولي القبول باستمراره، ولن تستطيع اسرائيل الاستمرار في فرضه، كقوة احتلال، على الشعب الفلسطيني، فهو ليس بديلاً مقبولاً للتحرر من الاحتلال والاستقلال والعيش على جزء من الوطن الفلسطيني. ولما كانت اسرائيل ترفض أن تكون فلسطين التاريخية دولة ثنائية القومية، عربية ويهودية، فإن السبيل الوحيد الباقي لتأسيس تسوية سلمية قابلة للحياة هو أن تقوم الى جانب دولة اسرائيل التي نشأت في العام 1948 الدولة العربية الفلسطينية المستقلة التي تأخر قيامها بحسب قرار تقسيم فلسطين الصادر في العام 1947 مدة 51 عاماً. أما مطالبة نتانياهو القيادة الفلسطينية بعدم المطالبة باطلاق المعتقلين الفلسطينيين من سجون اسرائيل على أساس ان هؤلاء "أيديهم ملطخة بالدم اليهودي" فهي مطالبة أقل ما يقال فيها انها عنصرية حاقدة طافحة بالتزوير وعمى القلب والبصيرة. ان اطلاق الأسرى والمعتقلين كان دائماً في التسويات الرامية الى تسوية الصراعات بين الدول والشعوب قضية مهمة في صميم اثبات عزم طرفي الصراع على انهائه. ولكن لا يبدو أن لدى نتانياهو مثل هذه النية. ثم ان موضوع الأيدي الملطخة بالدماء موضوع من الأفضل للقادة الاسرائيليين ألا يتطرقوا إليه، خصوصاً ان بعضهم على الأقل يجب أن يحاكموا كمجرمي حرب، وينبغي على فلسطينيي الشتات والوطن البدء في تأسيس دعاوى قضائية دولية ضدهم لتقديمهم الى المحاكمة مع شركائهم اينما كانوا. وسبق ان دانت محكمة اسرائيلية ارييل شارون بتهمة التسبب في مذبحة صبرا وشاتيلا وأدى ذلك الى خلعه من وزارة الدفاع لكنه لم ينل بعد ما يستحق من عقاب.