بعد مضي وقت قصير على الاحتلال العسكري الإسرائيلي عام 1967، بدأت إسرائيل ببناء المستوطنات في القدسالشرقيةالمحتلة ويتواصل بناء المستوطنات حتى يومنا هذا، وتقول دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية "تشجّع الحكومة الإسرائيلية الإسرائيليين على الاستيطان في القدس من خلال الإعانات المالية لغرض السكن وغير ذلك من المزايا، نتيجة لذلك، تبلغ حصة المستوطنين في القدسالشرقية حوالي 80% من الزيادة الإجمالية في أعداد السكان اليهود في القدس منذ عام 1967". وأضافت "تُشكّل المستوطنات غير القانونية الآن طوقاً حول كامل القسم المحتل من المدينة، وتفصل القدسالشرقية عن بقية الضفة الغربية". ولادة الاستيطان عند إقامتها في عام 1975، لم تكن "معاليه أدوميم" سوى مستوطنة صغيرة على أرض فلسطينية شرق مدينة القدس، لا يقطنها سوى 37 مستوطنا، غير أنها اليوم كتلة من شبكة من 5 مستوطنات، تعادل في مساحتها مدينة تل أبيب ويسكنها 37 ألف مستوطن إسرائيلي، وتضم منطقة صناعية فيها 300 مصنع. في عام 1999 أعلنت الحكومة الإسرائيلية نيتها توسيع هذه المستوطنة على 12 ألف دونم من أراضي القرى الفلسطينية "عناتا، والطور، والعيساوية، وأبو ديس، والعيزرية"، وجميعها في محافظة القدس، بهدف بناء 3 آلاف وحدة استيطانية جديدة وفنادق ومناطق صناعية، لترتبط بالقدس الغربية، ولتفصل القدسالشرقية نهائيا عن الضفة الغربية، بل وتقسم الضفة الغربية إلى قسمين. يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لعدم تنفيذ هذه الخطة الاستيطانية الكبيرة، في حين يهدد الفلسطينيون أنه في حال الشروع في تنفيذها فإنهم سيطلبون العضوية في محكمة الجنايات الدولية بما يمكنهم من ملاحقة قادة إسرائيل كمجرمي حرب سواء لارتكابهم جريمة الاستيطان أو قتل الفلسطينيين. ومعاليه أدوميم هي واحدة من 3 كتل استيطانية كبرى مقامة على أراضي الضفة الغربية هي "غوش عتصيون" في جنوبالضفة الغربية، و"أرئيل" في شمال الضفة الغربية، وتريد إسرائيل ضمها إليها في إطار أي حل نهائي مع الفلسطينيين، حيث تتركز في هذه المستوطنات نسبة 80% من المستوطنين الإسرائيليين. تواصل الاستيطان وإن كانت الحكومة الإسرائيلية استمرت في أعمال التهيئة لهذا المشروع الاستيطاني الكبير دون أن تبدأ بالبناء الفعلي فيها، فإن أعمال الاستيطان تتواصل في داخل ومحيط القدسالشرقية، كما هو الأمر بالنسبة لباقي أرجاء الضفة الغربية، بوتيرة غير مسبوقة منذ النكسة الفلسطينية قبل 47 عاما حينما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1978. فمنذ عام 1967 أنشأت إسرائيل حوالي 150 مستوطنة في الضفة الغربية، بما فيها القدسالشرقية، علاوة على نحو 100 بؤرة استيطانية أقامها مستوطنون بدون تصريح رسمي، وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، الذي قدرّ مجمل عدد المستوطنين بما يزيد على 520,000 نسمة. استحالة حل الصراع ويقول مراقبون وسياسيون إن هؤلاء المستوطنين سيشكلون عقبة أمام أي حل مستقبلي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين، إذ في حين أن كثيرا منهم قد يرغبون بالحصول على تعويضات مالية مقابل الانتقال من هذه المستوطنات، سيما المعزولة منها، فإن البعض الآخر قد يستخدم الأيديولوجيا لرفض الخروج حتى ولو بالقوة. ويعد المستوطنون "الأيديولوجيون" الأخطر على حياة المواطنين الفلسطينيين، إذ تشير إحصائية إسرائيلية إلى أنهم نفذوا 132 اعتداء على الفلسطينيين في الفترة ما بين مايو 2013 وحتى الشهر ذاته من العام الحالي 2014 في إطار ما يسمى بهجمات "تدفيع الثمن". ولجأت الجماعات الاستيطانية الإسرائيلية إلى استخدام هذا الاسم "تدفيع الثمن" في إشارة إلى جعل الفلسطينيين يدفعون ثمن إخلاء المستوطنين من بؤر استيطانية في الضفة الغربية. مخالفة القانون الدولي ويقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، إن المستوطنات اليوم هي العامل الأكثر تأثيراً على واقع الحياة في الضفة الغربيّة. وإن مئات الآلاف من الإسرائيليين يعيشون في أكثر من 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية في أرجاء الضفة، حيث شُيدت كلها خلافًا لأحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ وبعضها حتى خلافًا للقانون الإسرائيلي". وأضاف المركز "مئات آلاف الدونمات من الأراضي بما فيها مناطق رعي ومناطق زراعية، انتُزعت من الفلسطينيّين لصالح إقامة المستوطنات. لقد أُعلن عن قسم كبير من هذه المناطق ك"أراضي دولة"، من خلال الاستناد إلى تفسير مشكوك به للقانون؛ وقد نُهبت مناطق أخرى من الفلسطينيّين لهذا الغرض بواسطة فرض الوقائع على الأرض ومن خلال اللجوء إلى القوة. إلى جانب ذلك خُصّصت لصالح المستوطنات - وبسخاء كبير - مساحات شاسعة، والتي تزيد مساحتها كثيرًا عن المنطقة العمرانيّة فيها، وقد أُعلنت جميع مناطق المستوطنات "مناطق عسكريّة مغلقة" يُحظر دخول الفلسطينيّين إليها من دون تصريح". تقييد حركة الفلسطينيين وتابع المركز "صُودرت أراض أخرى لصالح شق مئات الكيلومترات من الطرق والشوارع الالتفافية لصالح المستوطنين، كما نُصبت الحواجز والوسائل المُقيّدة الأخرى التي لا تقيّد إلا حركة الفلسطينييّن وفقًا لموقع المستوطنات؛ فضلا عن إغلاق أراض زراعيّة كثيرة بشكل فعليّ - تقع داخل مناطق المستوطنات وخارجها - بوجه مالكيها الفلسطينيين. كما تقرّر مسار جدار الفصل الملتوي داخل مناطق الضفة، وذلك بالأساس من أجل إبقاء أكثر ما يمكن من المستوطنات والمساحات الشاسعة التي تخصّصها إسرائيل لتوسيع هذه المستوطنات في الجهة الغربيّة للجدار. وتؤدي إقامة الجدار في مساره الحاليّ إلى إلحاق ضرر شديد بحقوق الفلسطينيين الذين يسكنون بجواره، حيث حبس بعضهم في داخل "مُسوَّرات" إذ أيضًا يشوّش روتين حياتهم، فهو يحدّ من قدرتهم على الوصول إلى أراضيهم الزراعيّة ويحدّ من إمكانية الحصول على الخدمات الحيويّة والالتقاء بأفراد العائلة والأصدقاء، الذين ظلوا في الجهة الأخرى للجدار ويحول دون تطوير هذه المناطق". وقد أدى النشاط الاستيطاني الإسرائيلي إلى إفشال المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية التي هدفت إلى تطبيق حل الدولتين على الأرض بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. بناء مزيد من المستوطنات منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، تقول إنه خلال 9 أشهر من المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في الفترة ما بين يوليو 2013 وحتى أبريل 2014، دفعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخططات ومناقصات، لبناء ما لا يقل عن 13851 وحدة استيطانية في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية بما فيها القدسالشرقية أي بمعدل 50 وحدة استيطانية يوميا و1540 وحدة استيطانية شهريا. وتضيف "لم يكن البناء والإعلان عن بناء وحدات استيطانية مدمرا للجهود الأميركية، وإنما أيضا خلقت حقائق على الأرض أثبتت أكثر من أي أمر آخر بأن حكومة نتنياهو لا تريد حل الدولتين وإنما سعت إلى تعزيز فرض السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة". ويتركز الاستيطان الإسرائيلي في المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، والتي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتشكل 60% من مساحة الضفة. ويقول مركز "بتسيلم" إن إسرائيل تتعامل مع منطقة (ج) وكأنها مخصّصة لخدمة احتياجاتها فقط، من خلال تجاهل تامّ لكون الاتفاقيّة مؤقتة، فقد استغلّت المنطقة من أجل توسيع المستوطنات، حيث زاد عدد المستوطنين منذ ذلك الحين أكثر من ثلاثة أضعاف. وفي الوقت ذاته لا ترى نفسها ملتزمة بتاتًا أمام السكان الفلسطينيين الذين يسكنون هذه المنطقة، والذين يتراوح تعدادهم وفق التقديرات بين 200 - 300 ألف نسمة، وتمنعهم بشكل شبه تامّ من أيّ بناء وتطوير بمسوّغات مختلفة. لقد أعلنت إسرائيل مساحات واسعة جدًا في الضفة كمناطق عسكريّة وأراضي دولة يُحظر البناء فيها. وفي المنطقة الضيقة التي بقيت تمتنع الإدارة المدنيّة عن تجهيز مخططات هيكلية تلبي احتياجات السكان. وعندما يبني الفلسطينيون مجبَرين من دون تصاريح بناء تهدّد الإدارة المدنيّة بهدم بيوتهم، وفي بعض الحالات تنفذ هذه التهديدات". منع البناء للفلسطينيين وبمقابل تصعيد الاستيطان الإسرائيلي في المناطق (ج)، تعمد الحكومة الإسرائيلية إلى منع الفلسطينيين من البناء أو إقامة المشاريع على أراضيهم في تلك المناطق التي تعد منطقة التوسع الطبيعي للمناطق المصنفة (أ)، الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، والمناطق (ب) الخاضعة للسيطرة المدينةالفلسطينية والأمنية الإسرائيلية. "بتسيلم" يرى أن المناطق التي نقلت إلى السلطة الفلسطينية والتي سميت منطقتي (أ) و(ب)، ليست متواصلة بل مركّبة من عشرات "الجزر" المحاطة بمناطق عُرّفت كمناطق (ج)، فمثلا، ورغم أن الغالبية الساحقة من الفلسطينيين في الضفة يعيشون في هذه المناطق، إلا أنّ الغالبية الكبيرة من احتياطي الأراضي الضروري لتطوير هذه البلدات ظلّ في منطقة (ج)، ومن ضمنها أراضٍ كثيرة كانت في مناطق نفوذ بلديّة والموجودة في قسم منها بملكيّات خاصّة. إن أيّ استخدام لهذه الأراضي من أجل توسيع البلدات التي ظلت في منطقتي (أ) و(ب)، لإقامة مشاغل صناعيّة ومدّ خطوط مياه أو شق الشوارع، كلها خاضعة لموافقة من إسرائيل التي تمتنع في الغالب عن إصدار هذه التصاريح". ذلك الواقع يدفع على نحو متزايد الفلسطينيين وحتى الدول الغربية للاعتقاد بأن إسرائيل لا تريد حل الدولتين وإنما دولة واحدة تطبق نظام التمييز العنصري على الفلسطينيين. تطهير عرقي وفي هذا الصدد قال رئيس دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي، ل"الوطن": "في الجانب الإسرائيلي لا يتم الأخذ بعين اعتبار حل الدولتين فهو يرسم حدوده أحادياً، الجدار من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية، حيث يتم توسيع الاستيطان في منطقة الغور وتنفيذ عملية تطهير عرقي للبدو الموجودين هناك، فيما يجري توسيع المستوطنات وهو ما يعني أن الجانب الإسرائيلي لا يفكر أبدا بحل الدولتين وإنما دولة واحدة". وأضاف "إسرائيل تعمل من أجل ترسيخ القدس عاصمة لها، وفي هذا الإطار فإن هناك مشروع القدس 2020، الذي يقضي ببناء 58 ألف وحدة استيطانية جديدة بعد أن تم في عام 2009 الإعلان عن المدينة ذات أفضلية قومية، وبالتالي ما يتم الآن من تنفيذ مشاريع مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة أو مصادرة وهدم منازل فإنها تأتي في سياق أن الجو ككل مهيأ لإنهاء قضية القدس. مواجهة إسرائيل وفي مواجهة هذه السياسة الإسرائيلية، فإن الفلسطينيين يقترحون أمرين، الأول وهو أن يعترف العالم بدولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وثانياً أن يبدأ العالم بمعاقبة إسرائيل على نشاطاتها الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية. وبحسب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، فإن "الاعتراف الثنائي بدولة فلسطين على حدود 1967 من قبل الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين بعد، هو السبيل الوحيد لضمان إمكانية تحقيق حل الدولتين". ويضيف "حان الوقت للمجتمع الدولي لإخضاع الحكومة الإسرائيلية و أعضائها للمساءلة بموجب القانون الدولي لارتكابهم جرائم حرب. ندعوا المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته، من خلال فرض حظر على جميع منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وعدم التعامل مع الشركات التي تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر، في ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي وإلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة من أجل تحميل إسرائيل، قوة الاحتلال، المسؤولية الكاملة عن كافة الانتهاكات اليومية لحقوق الشعب الفلسطيني والقانون الدولي".