عرض حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة، في لقاء صحافي في معهد العالم العربي في باريس، للأوضاع المالية والمصرفية في لبنان في ظل التطورات الاخيرة التي تمثلت بالتغيير الحكومي. وشدد على عدم التهاون حيال الفساد لأنه يهدّد الثقة بلبنان وبمستقبله الاقتصادي. وقال سلامة ان الوضع يتّسم باستقرار مالي على رغم التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد، مشيراً الى ان التوجهات التي اعتمدها المصرف في الأعوام الخمسة الماضية عمقت الثقة بالليرة اللبنانية وجعلتها اقل تأثراً بالأحداث السياسية من السابق. وأضاف أن لبنان نجح في خفض التضخّم من 12 في المئة عام 1992 الى نحو خمسة في المئة حاليا وأن النمو الاقتصادي سجّل ارتفاعا بلغت نسبته بين خمسة وستة في المئة ولكنه عاد لينحسر بعد تولي بنيامين نتانياهو رئاسة الحكومة الاسرائيلية وتراجع احتمالات السلام. وأشار سلامة الى أن القطاع المصرفي استفاد من اعادة الهيكلة التي قام بها المصرف المركزي فارتفعت الودائع من ستة بلايين دولار عام 1992 الى 28 بليوناً حاليا، ما يؤكد ان هذا القطاع تعزّز وأصبح حيويا ليس لأنه يموّل الاقتصاد فحسب، بل لأنه نجح في تسويق نفسه وإثبات موقعه الدولي، كما أعاد لبنان الى موقعه في الشرق الأوسط، عبر اجتذاب مساهمين ومستثمرين من كل الدول العربية، وخصوصاً المملكة السعودية والكويت، بات لديهم مصارف في لبنان او مساهمة مهمة في مصارف لبنانية. وقال ان المشكلة الأساسية التي يسعى لبنان الى حلها تكمن في العجز الذي بلغ 22 في المئة من الناتج القومي الخام عام 1997 وانخفض الى ما بين 12 و13 في المئة السنة الجارية "نتيجة الجهد الحكومي الذي بذل في هذا الشأن"، مؤكدا ضرورة المضي في هذا التوجه لأن استمرار العجز كفيل بنسف الثقة بلبنان. وحول تصريحات وزير المال الجديد جورج قرم حول امكان لجوء الحكومة الى التخصيص، قال سلامة ان قرم يريد العمل على تحديد إطار قانوني للتخصيص في ظل الشفافية، ما يعني أنه ينبغي اولا ان يكون هناك قانون ينظّم هذه العملية. وعن تخصيص شركة الخطوط الجوية اللبنانية "ميدل ايست" التي تعود ملكيتها حاليا للمصرف المركزي، أوضح سلامة ان المصرف "غير عازم على الاحتفاظ بها ويريد تسليمها للحكومة لتتولى تخصيصها". ولفت الى ان المصرف المركزي "غير راغب بالخوض في عملية التخصيص لأن هناك الكثير من التداخلات السياسية والمصالح الاقتصادية المرتبطة بها يحرص المصرف على البقاء بعيداً عنها، ولأنه ينبغي تأمين اجماع سياسي قبل بيع هذه الشركة التي تمثل قطاعا استراتيجيا". وعمّا اذا كان لبنان يتوقع الحصول على المزيد من القروض العربية في ظل انخفاض أسعار النفط، ذكّر بأن السعودية اودعت في لبنان أموالا قابلة للتحويل الى الليرة بقيمة 500 مليون دولار كما اودعت الكويت 200 مليون والامارات مئة مليون، وهي ودائع مجمّدة لمدة ثلاث سنوات، وستبقى كذلك بموجب العقد الموقع. ورأى ان من السابق لاوانه التكهن بالسياسة المالية للحكومة الجديدة، وأنه في ضوء هذه السياسة ستتحدد طبيعة الخطة المالية التي سيجري اتباعها. وخفّف من شأن الديون المترتبة على لبنان بالقول انه الاقل مديونية مقارنة مع دول المنطقة الاخرى وان مجموع الدين المترتب على لبنان بالعملة الاجنبية يبلغ أربعة بلايين دولار. وقال حاكم المصرف المركزي ان الاولوية التي تحكم السياسة المالية تتمثّل بخفض العجز العام لأن الاقتصاد مستمر في التحسن طالما بقيت الثقة، مشيرا الى أن مكافحة العجز تستدعي بالضرورة تحسين الجباية. وأوضح ان عائدات الدولة من الجباية لا تمثل حاليا سوى 17 في المئة من الناتج القومي الخام وهي نسبة ضئيلة، وأن الحكومة ستضع خطة لرفع هذه النسبة الى 30 في المئة ما سيؤدي الى ردّة فعل اقتصادية ايجابية. وأكدّ ان الليرة اللبنانية مستقرّة بالفعل بدليل ان المصرف المركزي تمكّن من الحفاظ على سعرها على رغم الهزات، وأن السوق المالية هي التي تحدّد سعر الليرة و"المصرف لا يتدخل الا للحؤول دون تحوّل وضع طبيعي الى وضع مذعور" مشيراً الى ان السوق المالية ترى ان سعر الليرة مقبول. وبالنسبة الى عودة الرساميل اللبنانية من الخارج، قال ان هذه الرساميل مولت البلد أكثر من الرساميل والمؤسسات الدولية وأن زيادة الودائع المصرفية مردها الى هذه العودة. وذكر ان العلاقة بين لبنان والاتحاد الاوروبي تأخذ شكلين، فهناك من جهة تمويل لبعض المشاريع، ومشاركة عبر البنك الاوروبي للاستثمار في مشاريع اخرى مثل المطار ومشاريع سياحية صغيرة. كما ان هناك من جهة اخرى اتفاقيات الشراكة التي يرغب لبنان في الانضمام اليها، مشيراً الى ان الصعوبة على هذا الصعيد "تكمن في ان للبنان حجماً اقتصادياً يفوق عدد سكانه، في حين ان مقاييس الاتحاد الاوروبي مبنية على عدد السكان، وهذه نقطة مهمة ينبغي بحثها مع الاتحاد". وأوضح في هذا الصدد ان واردات لبنان من اوروبا تعادل واردات مصر وضعفي واردات سورية، في حين ان عدد سكانه أقل، ما يدعو الى ضرورة التمييز بين لبنان والدول المتوسطية الاخرى. وتابع ان لبنان لم يطوّر نظاما ماليا وفقا لما يطالب به الاتحاد الاوروبي ويقضي بفرض ضرائب على المبيعات، بل ان عائداته الاساسية مصدرها الجمارك، و"من الخطر على أي حكومة التزام مبادئ الاتفاقات مع الاتحاد الاوروبي اذا لم تتأكد من حصوله على مساندة تقنية مهمة، وعلى الاستثناءات التي يمليها وضع بلد مثل لبنان".