بعد تراجع اللغة الفرنسية في العالم والجمود الذي طغى على النظام الجامعي الفرنسي، ونتيجة التشدد الذي تتسم به اجراءات الحصول على تأشيرات دخول الى فرنسا، أحجمت النخب الاجنبية عن الالتحاق بالجامعات الفرنسية مفضلة عليها الجامعات الانغلوساكسونية. هذا الواقع شكل على مدى سنة كاملة محوراً لنقاشات بين وزارة التربية الفرنسية ووزارتي الخارجية والفرنكوفونية، بهدف تحسين حصة فرنسا في "سوق" اعداد الطلاب الجامعيين الاجانب. والرهان في هذه "السوق" متعدد الوجوه، فهو ثقافي ومادي واستراتيجي وبالتالي سياسي. يقول وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين ان حكومات العالم اليوم تضم اشخاصاً تلقوا دراساتهم في جامعات انغلوساكسونية، وهذه أداة قوة. وتفيد الأرقام المتوافرة لدى الاجهزة الفرنسية المعنية ان "سوق" التعليم الجامعي العالي خاضعة الآن للسيطرة الانغلوساكسونية وتحديداً الأميركية، اذ تقدر حصة الولاياتالمتحدة فيها بحوالى 560 ألف طالب أجنبي في مقابل 200 ألف طالب اجنبي يشكلون حصة بريطانيا، في حين تقتصر حصة فرنسا على 130 ألف طالب اجنبي من أصل مليوني طالب جامعي. ولتحسين هذه الصورة اسفرت النقاشات بين الوزارات الفرنسية الثلاث عن انشاء وكالة جديدة أطلق عليها "ايدو فرانس"، واتخذت سوفيا انتيابوليس جنوبفرنسا مقراً لها، لتكون أداة لكسب "معركة الأدمغة" التي قررت فرنسا خوضها. ويفترض ان تعمل "ايدو فرانس" التي رصدت لها موازنة متواضعة تقدر بمئة مليون فرنك لمدة أربع سنوات، على تنشيط النظام التعليمي الفرنسي العالي وتسهيل اجراءات مجيء الطلاب والباحثين الاجانب الى فرنسا ومساعدتهم في كل ما هو على صلة باقامتهم ودراستهم. وتستند الوكالة في عملها الى البعثات الثقافية في الخارج، التي سيكون لها دور اساسي في تحديد انماط التعليم الجامعي الفرنسي وتوضيحها، في ضوء متطلبات اسواق الدول التي ينتمي اليها الطلاب. ويتوقع وزير التربية الفرنسي كلود اليغر ان يؤدي دور "ايدو فرانس" الى زيادة عدد الطلاب الاجانب في فرنسا الى 500 - 600 ألف طالب من المناطق التي تندرج تقليدياً في دائرة النفوذ الفرنسي، مثل الشرق الأوسط والمغرب العربي وافريقيا، وايضاً من آسيا واميركيا الجنوبية