إن أي انسان حرٍ شريف، فلسطينياً كان أم من شعب عربي أو غير عربي آخر، لا يمكن ولا يجب ان يتغاضى عن صفاقة وزير الخارجية الاسرائيلي ارييل شارون، مجرم الحرب الدنيء المشرف على مذبحة صبرا وشاتيلا الملطخة يداه بالدم في أرض لبنان، وقبل ذلك في أرض فلسطين عندما كان قائداً للوحدة 101 في الجيش الاسرائيلي، وكان يقفل بيوت القرى الحدودية الفلسطينية على أهلها قبل الفجر، كما فعل في قرية الشرفات مثلاً، وينسفها على رؤوس الأبرياء النائمين. لكننا نعيش عصر الهزال والزمن الرديء. يمكن للمرء ان يفهم اضطرار قادة الشعوب أحياناً الى العض على أصابعهم والتغاضي عن كلمة نابية أو رأي جائر أو تزوير حقائق ضدهم أو ضد شعوبهم، أما عندما يتعلق الأمر بصلب الأهداف والحقوق الوطنية، كما هي الحال الآن في مفاوضات واي بلانتيشن، فإن الإهانة المقصودة تتجاوز الرئيس ياسر عرفات الى شعبه، بل الى الأمة العربية كلها. وليست المسألة متصلة بإهانة لفظية عابرة أو امتناع يد ملطخة بدماء الأبرياء عن مصافحة يد قائد شعب. كما أنها ليست مسألة مجرم حرب انقضى زمن طويل على جرائمه وصار الآن الخصم المفاوض. لا، المسألة ليست كذلك. إن شارون شريك أساسي لبنيامين نتانياهو في التفنن في تقسيم الأراضي الفلسطينية الى "أ" و"ب" و... "أبجد هوز"، وضم "قطاعات أمنية" على طول غور الأردن وعلى طول الخط الأخضر الفاصل بين اسرائيل والضفة الغربية. كيف ولماذا حدث ان السيد محمود عباس أبو مازن صافح شارون بعد ثانية أو اثنتين من رفض هذا الأخير مصافحة عرفات؟ كيف، ولماذا حدث ان قال عرفات لنتانياهو عندما قال له الأخير عد الى رئيسك، قاصداً بذلك الرئيس حسني مبارك، واطلب إليه اطلاق الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام ليكف نتانياهو عن المطالبة بتسليم أحد كبار قادة الشرطة الفلسطينية غازي الجبالي ان قال أبو عمار: "لا يمكن ان أكون أنطوان لحد"! لا أحد يشك في وطنية الرئيس عرفات وغيرته على مصالح شعبه وهو نفسه لا يشك في ان الفجر الفلسطيني سينبلج يوماً ما ولا يكل الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة وعن أسوار القدس ومآذنها وأبراج أجراس كنائسها. لكن الرئيس يجب ان يكون واثقاً ايضاً من ان أحداً لا يشبهه بالعميل لحد ولا يجب ان يخطر في باله هو هذا التشبيه. من المرجح في نهاية المفاوضات ان نجد قضايا أساسية قد ارجئت الى وقت لاحق لتكون حقول ألغام في المستقبل، لكن هذه مسألة تتعلق بموازين القوى والعجز العربي شبه العام والكامل. أما الاهانات فوق ذلك كله فينبغي ان تدفعنا الى ان نسمي المجرم مجرماً.