انتهت في باريس امس الجمعة محاكمة الكاتب والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، الذي طلب المدعي العام معاقبته بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف النفاذ وبغرامة مالية قدرها 250 ألف فرنك فرنسي، بتهمة التشكيك في مقتل ستة ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية عبر كتاب ينتقد الحركة الصهيونية السياسية الاسرائيلية. وكانت المحكمة الجزائية خصّصت لهذه القضية أربع جلسات في اطار الدعوة التي أقامتها "الحركة المناهضة للعنصرية" و"العصبة من أجل مكافحة العنصرية والمعاداة للسامية" اللتين اعتبرتا أن ما ضمنه غارودي كتابه الذي نشر سنة 1996 ويحمل عنوان "الأساطير التأسيسية للدولة الاسرائيلية" يجعل منه أحد المنظرين البارزين لحركة "المشككين" بالمحرقة اليهودية المنبوذة في فرنسا. وعبّر غارودي في تصريح أدلى به قبيل انعقاد جلسة أمس عن ارتياحه البالغ لحملة التأييد التي أثارتها قضيته في العالم العربي، وأكد سروره "لكون الوحدة العربية قد تجسدّت من حولي". وقد خصصت الجلسة الاخيرة من المحاكمة أمس لمداخلات موكّل الدفاع المحامي الفرنسي الشهير جاك فيرجيس الذي انضمّ اليه اثنان من المحامين العرب هم علي الغطيط الذي جاء من القاهرة وخالد السفياني الذي جاء من الرباط. وقال الغطيط في مداخلته أنه يشارك في المحاكمة نيابة عن اتحاد المحامين العرب وجمعية دعم الشعب الفلسطيني التي يرأسها. ورأى أن "قانون غيسو" الفرنسي الذي يحظّر أي تساؤل أو إعادة نظر في ما تعرّض له اليهود من اضطهاد خلال الحرب العالمية الثانية "يقيّد حرية الرأي والتعبير" وأنه "جدير بدول اخرى وليس بدولة مثل فرنسا". أما السفياني، الذي يمثل الرابطة المغربية للدفاع عن فلسطين فعبّر عن أسفه لهذه المحاكمة التي وصفها بأنها "محاكمة للضمير ولحرية التعبير". الاسلام والسامية وتناول تهمة العداء للسامية التي وجهت الى غارودي بالقول انه "ليس في وسع المسلمين معاداة السامية فنحن ساميّون وديانتنا التي يؤمن بها غارودي الذي اعتنق الاسلام في السبعينات تلزمنا باحترام الاديان الاخرى السماوية". وأكدّ أن انتقاد دولة اسرائيل وممارساتها شرعي وواجب وأن "اسرائيل ليست دولة ديموقراطية ولو أنها كانت كذلك لما حطمت أيدي الأطفال الفلسطينيين أمام عدسات التلفزيون". أما فيرجيس المعروف بحبّه للظهور وبميله للقضايا المعقدة المثيرة للجدل، فاعتبر أن المحاكمة باطلة من أساسها كونها تستند الى "قانون غيسو" غير الشرعي والمنافي لحرية الرأي والتعبير واستخدام الشك العلمي. وكان غارودي تحدّث أمام المحكمة مساء أول من أمس، فعرّف الصهيونية ومغزاها وميّز بينها وبين اليهودية، مستشهدا بأقوال متعددة لمفكرين وفلاسفة للتأكيد على أن الصهيونية حركة سياسية. ووصف سلوك مؤيدي الصهيونية في بعض الدول بأنه أشبه "بالعهر السياسي"، واستشهد بقول أدلى به حاخام باريس سيتروك لرئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق شامير وجاء فيه "أن كل يهودي فرنسي ممثل لاسرائيل ويدافع عما تدافعون أنتم عنه". ووصف اتهامه باللاسامية "بمن يضع نظارات ملونة لقراءة كتابي". جلسة متوترة وعلى غرار الجلسات السابقة، طغى توتر شديد وسط الجمهور الذي جاء لمتابعة وقائع المحاكمة وضم العديد من الفرنسيين الذين فقدوا ذويهم في معسكرات الاعتقال النازية. وقبيل افتتاح الجلسة هوجم أحد الأشخاص وهو أستاذ في جامعة السوربون كان يحمل صوراً للقمع الذي تمارسه اسرائيل على الفلسطينيين، من قبل بعض الحضور وانتزعوا منه الصور، مما حمله على القول بأن "غارودي سيدان بالتأكيد لأن العدالة في أيدي اليهود".