ثمة قناعة راسخة في تركيا، خصوصاً في أوساط الإسلاميين، مفادها أن كل من يخاصم أميركا وإسرائيل ويعاديهما هو جدير بالصداقة والدعم. لكن الموقف هذا بدأ يتغير مع هبوب رياح الربيع العربي. لقد أخذ الشعب التركي، والقسم المتدين منه على وجه التحديد، يدرك «حقيقة» إيران، إثر متابعته حوادث العالم العربي وما يحصل في الجارة سورية. والإدراك هذا ماثل في تصريحات التيار الإسلامي ومقالات صحافييه وشعارات تظاهراته. فالأتراك اكتشفوا الدور الإيراني في عمليات القتل والتعذيب التي تستهدف الشعب السوري وينظمها النظام ورئيسه. ولاحظوا متأخرين أن العلاقة الاستراتيجية التي تجمع بين طهران ودمشق منذ نحو 32 سنة لم تفتر، على رغم أنها تجمع طرفاً دينياً أيديولوجياً إلى طرف آخر قومي يساري يعتبر الدين مؤامرة، وبينه وبين الإسلاميين دم وثأر. وتذكّر أصدقاؤنا من المتدينين الأتراك فجأة أن طهران لم تحرك ساكناً إزاء مجزرة حماة في عهد الأسد الأب. ويرى أصدقاؤنا هؤلاء أن الصمت الإيراني على حوادث حماه 1982 يندرج في سياسة تصدير الثورة الإيرانية وأيديولوجيتها الدينية. لذا، دعمت حكم الأقلية العلوية في سورية. ويبدو أن حوادث حماه اليوم حملت كثراً على إعادة قراءة مجزرة 1982. وحوادث سورية سلّطت الأضواء على دور إيران ونفوذها في المنطقة من المحيط الهندي إلى القوقاز، ومن أفغانستان إلى شرق البحر المتوسط. وسياسة الكيل بمكيالين الإيرانية عادت اليوم إلى الأذهان. فتذكر الأتراك أن إيران انحازت إلى مصالحها في النزاع الأرمني - الأذري إثر احتلال أرمينيا جزءاً من أراضي أذربيجان، على رغم اشتراك إيران وقسم كبير من الأذريين في مذهب واحد. وانكشف زيف تسمية الثورة الإيرانية بالإسلامية والزعم أن الثورة في إيران تحمل راية الإسلام. فطهران تدعم نظاماً أبعد ما يكون عن التدين ضد شعب أعزل ومسالم. ولكننا نعارض انتهاج سياسة عداء لإيران، ونؤيد انتهاج تركيا سياسة خارجية براغماتية. وحري بوزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، أن يدرك أن سياسته القائمة على المثالية «أفلست» مع ذبح النظام السوري شعبه. فلا مجال اليوم للحديث عن علاقات «أخوة» تجمع رئيس الوزراء التركي بالرئيس السوري. فالأبواب مشرعة في المنطقة على احتمالات خطيرة تهدد بحرب طائفية. لذا، حري بنا إدراك تباين المصالح الإيرانية والتركية. وإذا تركنا الحديث بلسان إخوتنا المتدينين والإسلاميين وعدنا لحديثنا عن أنفسنا، دعونا الحكومة إلى إعادة النظر في موقفها من الملف النووي الإيراني وسياسة حسن الظن التي انتهجتها في المرحلة الماضية. * معلق، عن «مللييت» التركية، 8/8/2011، إعداد يوسف الشريف