تبنّت الحكومة السودانية برنامجاً اقتصادياً جديداً يستمر ثلاث سنوات شعاره «شد الأحزمة والتقشف»، عقب انفصال الجنوب وفقدانها أكثر من نصف إيراداتها ونحو 95 في المئة من صادراتها وخسارتها 75 في المئة من النفط لمصلحة الجنوب، الذي صار دولة مستقلة. وتسعى الخرطوم إلى تجنب صدمة اقتصادية مع تخفيف الضغط على المواطن حتى لا يثور عليها، وهي معادلة يعتبرها خبراء «مغامرة». وأعلن الرئيس عمر البشير أمام البرلمان، أمس، برنامجَ حكمه في المرحلة المقبلة عقب أربعة أيام من استقلال الجنوب. وحمل البرنامج ملامح ما أطلق عليها «الجمهورية الثانية»، وشمل حزمة إجراءات اقتصادية ومالية لمواجهة نقص الموارد من خلال خفض الإنفاق العام وترشيد الصرف ومراجعة أولويات التنمية وتنويع الإنتاج وزيادة الصادرات ومضاعفة الإيرادات وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، كما تضمن إصدار عملة جديدة «لمقابلة ما يترتب» على إصدار الجنوب عملته الخاصة من الجنيه. وكان السودان يتعامل بالجنيه حتى 1992، عندما أصدر الدينار. وعقب اتفاق السلام عام 2005، أعادت الخرطوم إصدار الجنيه في العام 2007. ويستهدف البشير بإصدار عملة جديدة التحكم في الكتلة النقدية ومنع التضخم، إذ إن نحو 15 في المئة من النقود في الدولة الجديدة موجودة في الجنوب، كما انه يمكن أن تحذف الخرطوم صفراً من عملتها لإعادة التوازن النفسي للعملة وبعث رسالة بأن عملتها صارت أقوى مما كانت عليه قبل انفصال الجنوب. وستطرح الحكومة خلال أيام موازنة بديلة لاستيعاب المتغيرات من دون فرض رسوم وضرائب جديدة، بعدما زادت في كانون الثاني (يناير) الماضي أسعار المحروقات والسكر. وراجت في الأيام الماضية معلومات عن عزمها فرض زيادات جديدة في أسعار السلع والخدمات، غير أن وزارة المال نفت ذلك. ولإعادة التوازن الاقتصادي، قررت الخرطوم هيكلة الدولة بتقليص هياكل الحكم، ويشمل ذلك الوزارات، إذ يوجد حالياً 77 وزيراً ووزير دولة، ونحو 1600 منصب دستوري في ولايات السودان ال 15. كما تتجه الحكومة إلى التخلص من شركات حكومية، وتخفيض مخصصات وامتيازات مسؤولين. ولسد الفجوة المتوقعة في الإيرادات - خصوصاً العملات الأجنبية بعد خروج نفط الجنوب -، ستلجأ الحكومة إلى الاستفادة من البنيات التحتية التي يحتاجها الجنوب في تصدير نفطه عبر أراضي الشمال. ويُجمع خبراء على أن السودان سيواجه ظروفاً اقتصادية بالغة الصعوبة بعد انفصال الجنوب، خصوصاً انه لم يتحسب لذلك في وقت مبكر، وليست أمامه خيارات سهلة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي وصفها صندوق النقد الدولي ب «الصدمة الاقتصادية». على صعيد آخر، أعلن البشير أن توقيع وثيقة اتفاق سلام دارفور النهائي سيتم في الدوحة غداً الخميس في حضور زعماء دول مجاورة للسودان والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، مشيراً إلى انه سيحضر المناسبة. وقال: «إن توقيع وثيقة سلام دارفور سينقل الإقليم إلى آفاق جديدة من التنمية والاستقرار». وأضاف أمام البرلمان، أن السودان بدأ حقبة جديدة من تاريخه أطلق عليها «الجمهورية الثانية»، مبيناً أن ملامحها تقوم على أساس انتهاء عهد الحروب وبدء عهد السلام والاستقرار.