الخرطوم - رويترز - يتجه السودان إلى انقسام حاد. لكن بينما يتطلع قادة الجنوب إلى الاستقلال السياسي عن الشمال فربما يجبرهم الواقع الاقتصادي على الاعتماد على خصومهم السابقين. ويتوقع معظم المحللين انفصال الجنوب الذي ينتج أكثر من 70 في المئة من إنتاج السودان من النفط الذي يبلغ 500 ألف برميل يومياً، عقب استفتاء الأحد الذي نص عليه اتفاق للسلام أبرم عام 2005. وسيبدأ اعتبار الجنوب دولة مستقلة بحلول التاسع من تموز (يوليو). لكن المنطقتين تمتلكان موارد ستضمن على الأرجح ألا تنفصم العلاقات بين اقتصاديهما إلا ببطء شديد إذا ما تمكن الجانبان من تجنب اندلاع صراع مسلح من جديد. وقالت عابدة المهدي وزيرة الدولة للشؤون المالية سابقاً: «في حالتنا هناك تعاون اقتصادي إجباري إذا لم يكن مرغوباً فيه... إذا ما أضر (الجنوب) بالشمال في مجال، سيرد الشمال في مجال آخر. لذا يحتاج الجانبان إلى التعاون اقتصادياً لتسير الأمور في يسر». ويحصل الجنوب الذي يضم نحو 20 في المئة من سكان السودان البالغ عددهم 40 مليون نسمة، على 98 في المئة تقريباً من موازنته من خلال إيرادات النفط، الأمر الذي يجعله رهينة للشمال الذي يمتلك البنية الأساسية للتكرير ولشحن النفط. وسيحتاج الجنوب إلى سنوات لتشييد بنيته التحتية حتى وإن تمكّن من التغلب على الصعوبات المالية. لذا يتعين على حكومة جنوب السودان أن تكبح توقعات شعبها وحتى بعض وزرائها بأنها ستتمتع بنسبة 100 في المئة من إيراداتها النفطية عقب الاستقلال. وسيطالب الشمال بسعر أعلى في صورة إيجارات ورسوم لاستخدام المصافي وخطوط الأنابيب والموانئ. لكن لدى الجنوب ورقته الرابحة: نظامه الخاص للعملة. ورغم أن وحدة نقدية قد تكون هي الخيار الأرخص بالنسبة إلى الجانبين، فإن الجنوب يعتزم لأسباب سياسية إصدار عملته الخاصة بعد الانفصال. وإذا أقدم على هذه الخطوة دون تعاون وثيق مع الشمال بشأن قضايا مثل التوقيت وسعر الصرف فإن الضغوط التضخمية على الجنيه السوداني قد تكون مدمرة. وقال اسبن بارث ايدي نائب وزير الخارجية النروجي الذي يقدم المشورة للجانبين في شأن النفط: «الطرفان مؤهلان تماماً لتدمير بعضهما البعض لكن على حساب تدمير نفسيهما». ويقدّر محللون أن حكومة الجنوب ربما تتمكن من إضافة بليون دولار إلى موازنتها السنوية التي تبلغ نحو بليوني دولار من خلال الحصول على المزيد من عائدات النفط بعد الاستقلال. ونوعاً ما سيستفيد الجنوب من بداية اقتصادية جديدة وسيتجنب مشكلات يعاني منها الشمال مثل الديون الخارجية المنهكة وعجز تجاري هيكلي كبير. ويرفض الجنوب حتى الآن تحمل أي جزء من أعباء الدين الخارجي للسودان. وباستثناء النفط، يهيمن على أنشطة التجارة في السلع بجوبا، عاصمة الجنوب، اقتصادات شرق أفريقيا المجاورة القوية نسبياً بدلاً من الشمال. ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع. لكن الجنوب يشارك الشمال بعض المشكلات الاقتصادية. ويقدر البنك الدولي نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في السودان ككل عند 1220 دولاراً فقط في 2009 وربما يكون المستوى أقل في الجنوب. وعلى غرار الشمال، ينفق الجنوب مبالغ هائلة للحفاظ على جيش ضخم فشل في تسريحه رغم السلام. وفجّر تأجيل دفع الرواتب أعمال شغب من جانب جنود غاضبين وليس هناك الكثير من فرص العمل التي يمكن توفيرها لهما في حال تسريحهم. وقال الاقتصادي حسن ساتي المسؤول السابق في وزارة المال السودانية عن حكومة الجنوب «يجب أن يستثمروا معظم أموال النفط في تنمية الزراعة والصناعة والخدمات التعليمية والصحية. إذا ما واصلوا الإنفاق على أنفسهم سيواجهون موقفاً صعباً للغاية». وليس هناك إلا القليل من البنية التحتية في الجنوب و60 كيلومتراً فقط من الطرق المعبدة. ويتم توفير الطاقة الكهربية من طريق مولدات الديزل المكلفة إذ لا توجد شبكة وطنية ومياه الصنابير شحيحة في الكثير من المناطق. وبسبب سوء مرافق التعليم فإن إحدى المشكلات الكبرى تتمثل في نقص الموارد البشرية. وقبل تدفق الاستثمارات ستحتاج الحكومة إلى إحكام سيطرتها على الأمن بعد تاريخ من الاضطرابات العسكرية وتمرد الميليشيات والاشتباكات المسلحة في المناطق القبلية.