في خطوة وُصفت بأنها «ترجمة لمسار التغيير» الذي بدأته السلطات الجديدة، اعترفت تونس بالمحكمة الجنائية الدولية لتقيّد نفسها طوعاً بالتزام دولي يُنهي حصانة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ونظام الإفلات من العقاب. وأصبحت تونس العضو السادس عشر بعد المئة في نظام روما الأساسي الذي أنشئت المحكمة بموجبه، على «أن تتبعها دول عربية أخرى قريباً، أبرزها مصر». وجاء الموقف التونسي وسط توقعات بموافقة قضاة المحكمة الجنائية على طلب الادعاء إصدار مذكرة توقيف في حق العقيد معمر القذافي بتهمة ارتكاب جرائم واسعة النطاق في ليبيا خلال قمع الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام. وقدّم السفير التونسي في الأممالمتحدة غازي جمعة، وثيقة الاعتراف الرسمية في مقر المنظمة الدولية، فيما رحبت المحكمة الجنائية الدولية بانضمام تونس، باعتباره «قراراً بالاشتراك في الجهود الدولية لإنهاء الحصانة عن أي مرتكب لأخطر الجرائم في العالم: الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والعدوان». واعتبر كريستيان فينافيسر، رئيس الجمعية الدولية للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية، أن قرار تونس يدل على «تغييرات عميقة ناتجة عن الربيع العربي الذي بدأ فيها». وقال وليام بايس المدير التنفيذي ل «تحالف المنظمات غير الحكومية الداعم للمحكمة الجنائية الدولية» ل «الحياة»، إن تغييراً على غرار النموذج التونسي ستشهده الدول العربية. وأشار إلى أن العديد من الدول العربية تدرس الانضمام إلى نظام روما. واعتبر بايس، الذي يمثّل تحالفه 2500 منظمة غير حكومية في 150 دولة، أن إسقاط الحصانة عن الجرائم «مَعْلَم أساسي في التغيير في تونس، في أول قرارات حكومتها بعد مرحلة الديكتاتورية». وقال إن ليبيا وسورية وبقية دول المنطقة العربية ستشهد تغييراً مماثلاً، لأن «كل الشعوب التواقة إلى الحرية ستتبع تجربة تونس». وقال السفير البريطاني في الأممالمتحدة مارك ليال غرانت ل «الحياة»، إن انضمام تونس خطوة إيجابية ودلالة على التغيير الجاري في المنطقة. وأضاف أن «المحاسبة على الجرائم ومقاومة الحصانة جزء أساسي من النظام القضائي الدولي، وبريطانيا كدولة عضو في المحكمة تدعو الدول إلى الانضمام لرفع فرص محاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية وتقديمهم إلى المحاكمة». وتوقعت مصادر مطلعة على عمل المحكمة الجنائية الدولية موافقة قضاة المحكمة، غداً الإثنين، على طلبات مذكرات التوقيف بحق العقيد معمر القذافي وابنه سيف الإسلام ومدير استخباراته عبدالله السنوسي التي تقدم بها المدعي العام لويس مورينو أوكامبو. وأضافت أن أسماء جديدة ستضاف إلى قائمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ليبيا «قبل نهاية العام الحالي». وأكد نائب السفير الليبي في الأممالمتحدة (المعارضة) إبراهيم الدباشي، أن القذافي سيخضع للمحاكمة عاجلاً. وثمّن قرار تونس، مؤكِّداً ل «الحياة» أن ليبيا «ستنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية وكل النظم التي تحمي حقوق الإنسان بعد سقوط القذافي». واعتبر أن تأخر الدول العربية في الانضمام الى نظام روما «لطالما كان سببه قادة الدول، لتخوفهم من المحاسبة وخوفهم على أنفسهم». وقال إن «الديموقراطية تسقط الخوف من العقاب». واستطلعت «الحياة» آراء ديبلوماسيين في الأممالمتحدة، وأكدوا أن منسوب النقاش حول «الإفلات من العقاب» يرتفع باضطراد في الدول العربية منذ انطلاق التحركات الشعبية. وأشارت المصادر نفسها إلى تأكيد وزير الخارجية المصري السابق نبيل العربي ضرورة انضمام مصر الى نظام محكمة لاهاي «وهو ما ستتم المصادقة عليه في البرلمان المصري المقبل بعد الانتخابات». وأشار ناشطون حقوقيون دوليون في نيويورك، إلى أن «الكويت وقطر وربما عمان تدرس احتمال الانضمام إلى «الجنائية الدولية» والنقاش فيها قائم بجدية حول هذه المسألة»، على رغم «تحفظات لا تزال قائمة على حصانات قادة الدول».