بن لادن هو من الاشخاص القلائل الذين خلفوا أثراً كبيراً في حوادث العالم في التاريخ الحديث، وهو كان مدار اساطير كثيرة تناولت أصول شبكة «القاعدة» الارهابية ودمار أيلول (سبتمبر) 2001 وصولاً الى رصده وقتله الاحد الماضي. 1 – الاستخبارات المركزية الاميركية «صنعت» بن لادن الاسطورة هذه رائجة في أوساط أنصار نظرية المؤامرة. ويرى هؤلاء ان هجمات الحادي عشر من أيلول هي ضربة وجهها عميل في وكالة الاستخبارات غرد خارج السرب وانقلب عليه. وإثر الهجمات الارهابية على برجي التجارة العالمية، أعلن المخرج مايكل مور: «صنعنا الوحش المسمى أسامة بن لادن»! ومدرسة الارهاب التي ارتادها هي ال «سي آي أي»!. والمزاعم هذه ضعيفة الصلة بالواقع. ففي الحرب السوفياتية بأفغانستان في الثمانينات، لم تتعامل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية مع «الافغان العرب» من أمثال بن لادن، وربطتها علاقات ضعيفة ببعض الافغان العرب. ووجهت المساعدات الاميركية الى افغانستان عبر الاستخبارات الباكستانية. وقال محمد يوسف، ضابط في الجهاز هذا في كتابه «فخ الدب» (1992) إن «الاميركيين لم يدربوا المجاهدين ولم يتصلوا بهم اتصالاً مباشراً». ومنذ هجمات الحادي عشر من أيلول، فنّد قادة «القاعدة» علاقتهم بال «سي آي أي». وأعلن أيمن الظواهري، في سيرته الذاتية «فرسان تحت راية النبي»، أن الولاياتالمتحدة لم تمنح المجاهدين العرب فلساً واحداً. وشأن الظواهري، قال أبو مصعب السوري، مساعد بن لادن، في «دعوة المقاومة العالمية» أن ما يقال عن تدريب ال «سي آي أي» الافغان العرب هو «كذبة» لا صلة لها بالواقع. وعلى رغم التباين بينهما، تجمع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية و «القاعدة» على أمر واحد، وهو نفي العلاقة بينهما. 2 – بن لادن هاجم أميركا جراء كرهه الحرية الاميركية قال جورج بوش امام الكونغرس بعد تسعة أيام على هجمات 2001: «انهم يكرهون حريتنا... حرية الديانة وحرية التعبير وحرية الاقتراع والتجمع والاختلاف في الرأي». ولكن بن لادن لم يتطرق يوماً الى الحرية أو القيم الاميركية. ولم يبدو مكترثاً أو مهتماً بقيم «الصليبيين»، ودار كلامه على السياسة الاميركية الخارجية بالشرق الاوسط. وبين 1994 و2004، أدلى بن لادن ب24 تصريحاً. وتناول في 72 في المئة من الخطابات الهجمات الغربية أو اليهودية على المسلمين، واقتصر انتقاده الثقافة الاميركية أو طريقة العيش الاميركية على 1 في المئة من مضمون خطاباته. وفي تسجيل صدر في 2004، دحض بن لادن زعم بوش، وقال: «اذا صح كلام بوش أننا نكره حريتكم (الاميركية)، فلماذا لم نهاجم السويد». 3 – لا صلة بين الاسلام وايديولوجية «القاعدة» زعم بوش أن «القاعدة» هي تيار يحرف الاسلام. وأول خطوة أقدم عليها، اثر هجمات الحادي عشر من أيلول، هي زيارة جامع في واشنطن. ولكن عناصر «القاعدة» هم على يقين أن قتالهم هو في سبيل الدفاع عما يخالونه الاسلام الحق. واستشهد بن لادن بآيات من الكتاب الكريم ليضفي على حربه طابعاً شرعياً. 4 – أيمن الظواهري هو دماغ «القاعدة» المدبر الفعلي يقال إن الظواهري، الطبيب المصري والرجل الثاني في «القاعدة»، هو العقل المدبر وراء بن لادن أو «دماغه». ولكن المنعطف الاستراتيجي في تاريخ «القاعدة»، أي اعتبار ان الولاياتالمتحدة هي العدو الاكبر وليس أنظمة الشرق الاوسط، همّش أبرز أولويات الظواهري، وهو اطاحة الحكومة المصرية. وبحسب نعمان بن عثمان، مقاتل ليبي مقرب من قادة «القاعدة»، أثر بن لادن في أفكار الظواهري. فهو قال له «انس العدو الاقرب وضع نصب عينيك العدو الرئيسي، الولاياتالمتحدة الاميركية». ولم يُعلم بن لادن الظواهري بتفاصيل أهم عمليات «القاعدة»، أي هجمات الحادي عشر من أيلول. ولم يشركه في اعداد الهجمات هذه، بل ذكرها لماماً أمامه في صيف 2001. 5 – أهمية موت بن لادن رمزية ولن تؤثر في مسار الحرب على الارهاب يرى معلقون كثر أن موت بن لادن لن يضعف حركة الاسلامويين. ولا يجافي الرأي هذا الصحة. ولكن «القاعدة» هي صنيعة بن لادن. وهو وراء هجمات الحادي عشر من أيلول. والملتحقون ب «القاعدة» يؤدون يمين الولاء له، وليس للمنظمة. وحين انتسبت مجموعات مقاتلة الى «القاعدة»، على ما فعلت «القاعدة» في بلاد الرافدين، أعلن قادتها الولاء الى بن لادن شخصياً. ومع غياب بن لادن، تفتقر «القاعدة» الى قائد نافذ يلهم المجموعات المرتبطة بها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وحركة الاسلاميين في العالم. * مدير مركز الدراسات في «نيو أميركا فاونديشن»، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 6/5/2011، اعداد منال نحاس