عمّ ارتياح واسع النطاق بعد العملية التي نفذتها قوة «ليكورن» (الخرتيت) والأممالمتحدة لمساعدة قوات حسن وترة على فرض احترام نتائج صناديق الاقتراع بعد أربعة اشهر من الصراع. واتسم التدخل بغموض شديد بالنسبة الى باريس على رغم انه جرى تحت خوذة الأممالمتحدة، وسط خطر التعرض لاتهامات بإحياء الممارسات القديمة والتدخلات التي وسمت سياسة فرنسا الأفريقية (المعروفة ب «فرانس – أفريك»). بيد أن الوقوف بلا حراك، كان مستحيلاً. وذكر (وزير الخارجية الفرنسي) آلان جوبيه أمام الجمعية الوطنية يوم الأربعاء، أثناء حديثه عن ليبيا وعن ساحل العاج، أن «هناك لحظة، وحده التدخل العسكري يوقف مجزرة». أضاف «اننا لن نتورط في ساحل العاج». وفي محاولة لتبديد كل سوء فهم، تدخلت القوات الفرنسية بعد طلب صريح من الأمين العام للأمم المتحدة وبالاستناد الى القرار 1975 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الداعي الى اللجوء الى الوسائل اللازمة كافة لحماية السكان المدنيين. واعتبر دومينيك مويزي الباحث في «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية» ان «العملية هذه شرعية وقانونية في نظر القانون الدولي، ما يمثل النجاح الأول لنيكولا ساركوزي على صعيد صورته السياسية. كان الوضع مسدوداً والأممالمتحدة عاجزة: لقد صنعت فرنسا الفرق». وتابع ان العملية «تنبيه للقذافي». لكن هذا الاختصاصي في العلاقات الدولية يذكر أن «باريس ستكون عرضة الآن للحكم حيال النظام الجديد فيما سيتعرض أنصار حسن وترة للاتهام في التحقيقات كذاك الذي أجرته هيومان رايتس ووتش حول المجازر والتطهير العرقي». وهذا ما يجعل المستقبل ينطوي على صعوبات. ويقول جان - فرانسوا بايار الباحث في العلوم السياسية إن «الثمن السياسي والديبلوماسي قد يكون باهظاً. فبعدما كانت فرنسا عاجزة طوال أشهر عن حماية المدنيين في أبيدجان أو في غرب ساحل العاج، بذلت فرنسا جهدها لطرد غباغبو ومن أجل تسليح قوات وترة». ويوجه التدخل الفرنسي في أزمة ساحل العاج إشارة ستكون موضع تمحيص وتدقيق. ويضيف هذا الاختصاصي في أفريقيا والشرق الأوسط «في رأي عدد من الأفارقة، بمن فيهم سكان ساحل العاج، أطاحت باريس برئيس منتخب، لتفرض مكانه صديقاً لساركوزي ولصندوق النقد الدولي وللأميركيين». فرنسا، هذه القوة الاستمعارية القديمة التي غالباً ما تتعرّض للنقد لمسارعتها في نجدة الأنظمة الأفريقية - حتى الأسوأ من بينها - حاولت البقاء في منأى عن الصراعات. وأعلن ساركوزي في كانون الثاني (يناير) ان الجنود الفرنسيين غير مدعوين الى التورط في الشؤون الداخلية لساحل العاج». وفي عام 2008 وفيما كان الجنود الفرنسيون يهبون لنجدة الرئيس التشادي ادريس دبي، الذي هدد المتمردون حكمه، شدد ساركوزي على انه «لم يسمح لجندي فرنسي واحد بإطلاق النار على أفريقي حتى لو كان يؤيد مساندة الحكومة الشرعية في تشاد». هل سيكون ساحل العاج، إذاً، تحولاً في السياسة الخارجية للإليزيه؟ إن هذه الأزمة، مثلها مثل الأزمة الليبية تتيح الفرصة لساركوزي لإحياء صورته التي تضررت بشدة على الساحة الدولية نتيجة تحولاته المفاجئة وانهيار شعبيته وتردده عند بداية الثورات العربية. وانطلقت النزعة التدخلية الديبلوماسية، أثناء الحرب الروسية الجورجية عام 2008 عندما كانت فرنسا تترأس الاتحاد الأوروبي لستة أشهر. وأدت باريس دور الإطفائي، ومنعت اجتياح تبيليسي بقيامها بمهمات الوسيط في خطة سلام. في واقع الأمر، إن نشاط رئيس الدولة المرتجل خدم خصوصاً ترسيخ الأمر الواقع الذي يحرم جورجيا من خمس أراضيها. ونعثر على الميزات ذاتها – العجلة في اتخاذ القرار والتعاطف - والأخطاء ذاتها – التسرع والرغبة في التظاهر- في ما تصفه الصحافة الوطنية والدولية «بحروب ساركوزي»: ليبيا وساحل العاج. فالنزاع الأول يبدو بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من بداية ضربات التحالف، قد انغرس في مكانه. أما ساحل العاج فيبدو التدخل الفرنسي أنه قد غير المعطى. لكن جان فرانسوا بايار لا يخامره شك في أن: «هذه ليست نهاية الأزمة بل بدايتها». * صحافي، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 12/4/2011، إعداد حسام عيتاني