تستعد مصر لإجراء استفتاء على تعديلات دستورية اقترحتها لجنة شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في التاسع عشر من الشهر الجاري، فيما تنقسم القوى السياسية إزاء جدوى هذه التعديلات. ويتخوف معارضو هذه التعديلات من أنها ستؤدي إلى استمرار «حكم الفرد» لتجاهلها تقليص الصلاحيات المطلقة للرئيس ويطالبون بإعداد دستور جديد للبلاد، خصوصاً أن التعديلات طرحت ذلك ولم تجعله ملزماً، فيما يرى مؤيدوها أنها تضمن الحد الأدنى من انتقال سلس للسلطة من المدنيين إلى العسكريين، على أن تتولى السلطة المدنية تشكيل لجنة تأسيسية لدراسة شكل النظام السياسي الأنسب ووضع دستور جديد للبلاد. وتردد أن المجلس العسكري شكل لجنة لجمع الملاحظات على التعديل لإعادة صياغة بعضها، وأنه قد يرجئ الاستفتاء أسبوعاً أو أسبوعين، فيما رفض التعديلات نحو 60 في المئة ممن شاركوا في استفتاء على موقع مجلس الوزراء على الإنترنت أمس، فيما وافق عليها 34 في المئة، ولم يحدد الباقون موقفهم منها. ويترافق هذا الخلاف مع جدل آخر حول ما إذا كانت الأوضاع الأمنية تسمح بإجراء الاستفتاء. وفي وقت يرى خبراء أن الانفلات الأمني السائد لا يسمح بهذه الخطوة القريبة قبل عودة الأمن إلى الشارع، يؤكد آخرون أن الحالة الأمنية لن تكون مؤثرة بدرجة كبيرة في استفتاء ينتفي فيه عنصر المنافسة بين مرشحين، ومن ثم فلن تكون هناك أعمال عنف أو بلطجة تستوجب وجوداً أمنياً قوياً لردعها. وأكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي في حوار تلفزيوني مساء أول من أمس أنه سيصوت برفض التعديلات الدستورية. واعتبر أن «مسار التغيير في مصر يجب أن يبدأ بوضع دستور جديد»، داعياً الجيش إلى إرجاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية أو إلغائه لإتاحة الفرصة لإعداد دستور جديد يؤسس لنظام برلماني وانتخابات رئاسية تعقبها انتخابات برلمانية. ورأى أن «ترقيع الدستور الحالي فيه إهانة للثورة المصرية، ولا يوجد ما يدعو إلى التسرع». وأعلن خوضه انتخابات الرئاسة المقبلة، لكنه قال: «لا يمكن أن أحكم مصر ليوم واحد في ظل هذا الدستور الديكتاتوري الذي يمثل عهداً انقضى وسقط». في المقابل، أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» التي شارك أحد نوابها السابقين في اللجنة التي شكلها الجيش لصوغ التعديلات تأييدهم التعديلات الدستورية. وقال الناطق باسم الجماعة رئيس مكتبها السياسي الدكتور عصام العريان ل «الحياة» إن «الإخوان يؤيدون هذه التعديلات وسيدعون إلى التصويت عليها بنعم». ورفض وجهة النظر القائلة بضرورة وضع دستور جديد للبلاد في هذه المرحلة. ورأى أن «القبول بالتعديلات المطروحة على الاستفتاء هو الطريق لإعداد دستور جديد»، مشيراً إلى أن إجراء انتخابات رئاسية قبل الانتخابات البرلمانية «سيخلق فرعوناً جديداً يستأثر بكل السلطات في ظل عدم وجود رقابة برلمانية». واعتبر أن «القبول بهذه التعديلات سيقطع الطريق على الحزب الوطني وبقاياه للعودة إلى واجهة المشهد السياسي». وكشف أن مرشد «الإخوان» الدكتور محمد بديع سيعقد اجتماعاً الأربعاء المقبل مع القوى السياسية الوطنية للاتفاق على قائمة كاملة لمرشحي البرلمان. وقال: «ستمثل قائمة الثورة مرشحي القوى الوطنية التي شاركت فيها لطرحها على الشعب للتصويت عليها». وأوضح أن «أهم سبب للموافقة على هذه التعديلات هو الحفاظ على الأمن القومي... الجيش يريد العودة إلى ثكناته لممارسة مهماته في الدفاع عن أرض الوطن». ودافع عضو لجنة تعديل الدستور المستشار عاطف البنا عن التعديلات الدستورية التي أقرتها لجنته. وقال ل «الحياة»: «إذا أجرينا انتخابات رئاسية قبل البرلمانية سنخلق ديكتاتوراً جديداً لأنه لن يكون هناك برلمان لمراقبة الرئيس»، مستغرباً الحديث عن أن إجراء انتخابات برلمانية قريباً «سيعيد فلول الحزب الوطني». ورأى أن «الشعب يعيش الآن أجواء الثورة ولن يسمح بالتصويت للمرتبطين بهذا الحزب الفاسد». ولفت إلى أن «التعديلات الدستورية حملت في طياتها لبنة إعداد دستور جديد». أما «المجلس المصري للشؤون الخارجية» فدعا المجلس العسكرى إلى اختيار ما بين 50 إلى مئة من فقهاء القانون الدستوري وشخصيات تحظى بالاحترام لتشكيل «جمعية تأسيسية تتولى إعداد دستور جديد في غضون شهر». واقترح في بيان أمس أن يعرض مشروع الدستور الجديد على استفتاء شعبي، وأن يليه انتخاب مجلس تشريعي في ضوء الدستور الجديد. وأوضح أن «المناقشات الواسعة التي أجراها أعضاء المجلس وشارك فيها عدد من أساتذة القانون الدستوري تؤكد أن هناك تحفظات على التعديلات الدستورية المقترحة»، معرباً عن خشيته من أن تقابل التعديلات الدستورية بالرفض «ما قد تنتج منه انعكاسات سلبية على هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد».