اغلقت ابواب بكركي في السادسة مساء امس على المطارنة الموارنة تمهيداً لانتخابهم بطريركاً جديداً لكرسي انطاكيا وسائر المشرق خلفاً للبطريرك نصر الله صفير في مهلة عشرة ايام، في وقت نقل السفير الفرنسي لدى لبنان دوني بييتون الى البطريرك صفير امس، رسالة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لمناسبة استقالته. وكانت لافتة الزيارة التي قام بها رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النيابي عصراً لبكركي ولقاؤه البطريرك صفير. واستغرق لقاء صفير مع النائب عون نحو 40 دقيقة، واستقبله صفير عند مدخل الصالون الكبير، وحضر الاجتماع المدبر البطريركي المطران رولان أبو جودة والمطران سمير مظلوم وانضم الى المجتمعين مطران اللاذقية مسعود يوسف مسعود. وقال عون بعد اللقاء إن «الزيارة هي لشكر البطريرك على السنوات الطويلة التي قضاها في سدة البطريركية»، وقال: «كلنا نمرّ بهذه الدنيا ولكن القوة في استمرار المؤسسات، واستمرار بكركي وما ترمز اليه لا يحتاج احد الى تظهيره، لأنه ظاهر في التاريخ وفي الحاضر وسيكون ظاهراً في المستقبل». وشكر عون البطريرك صفير على «الخدمة الطويلة التي قدمها لوطنه ولكهنوته ومسيحيته ولكل اللبنانيين»، لافتاً الى أن «الزيارة هي لتأكيد شكرنا للسنوات الطويلة وتأكيد الاستمرارية بدعمنا لبكركي وهذا شيء أساسي لدينا». واعتبر أن «الكنيسة أدرى بمن ستختار الى سدة البطريركية، والأساقفة مجموعون ولديهم أفضليات في معالجة المواضيع وككنيسة هناك تعاطٍ مع رعية منتشرة في كل العالم ومع أشياء إدارية وغيرها وأنا لا أريد أن أنصحهم هم يعرفون ما هو مطلوب معالجته ونحن نقدم المساعدة إذا كان بمقدورنا ذلك». أما عن موضوع التخلي عن السلاح، فلفت عون الى «وجود وجهتي نظر حول الموضوع، وكلنا يريد خدمة لبنان بالنتيجة، أن يستمر السلاح خارج إطار الدولة شيء غير طبيعي لكن التخلي عنه في الظروف الحالية، نحن معرضون لمخاطر كثيرة عسكرية ومخاطر توطينية في البلد»، معتبراً أن «الوقت الآن غير مناسب للتخلي عنه ولكن بالتأكيد لا أحد يقول بأبدية السلاح خارج الدولة». وعما اعترف به لصفير قبل ساعات قليلة من تركه كرسيه، قال عون: «حضورنا لعنده، ففعل العمل أهم كثيراً من الكلام فهذا يسجل وهذا هو الواقع، يستطيع ان يقول الواحد اي كلام لكن العاطفة الحقيقية تظهر باللفتة التي يقوم بها الواحد، وسيدنا البطريرك لا ينتظرنا كي يسمع منا كلاماً عاطفياً، سيدنا لا يزال معنا وتاريخه طويل بالوقت والإنجازات والحضور وخصوصاً في هذه المرحلة التي عانى فيها لبنان أشياء كثيرة وكان لبنان جاهزاً والمدافع عن القيم المسيحية خصوصاً ان الكنيسة هي السلطة المعنوية التي تمارسها دائماً». وعن سبب سوء التفاهم مع البطريرك في ظل كلامه عن دور صفير ومواقفه، قال: «ليس سوء تفاهم، هناك وجهتا نظر مختلفتان وشرحتهما، هناك مسألة سياسية نحن لدينا نظرة تختلف عن نظرة غبطته او بالعكس، نظرته تختلف، لكن هذا لا يعني عداء». ورفض الدخول في هذا السجال، قائلاً: «لم نأتِ الى هنا لنتعاتب». ودعا الى الكلام عن «الإيجابيات والتفاهمات». وعن مواصفات من سيعطى له مجد لبنان، قال عون: «إن شاء الله بوحي الروح القدس نأمل بأن ينتخب أصحاب السيادة البطريرك الجديد تحت عنوان المحبة والإيمان والرجاء». ووزعت السفارة الفرنسية نص رسالة ساركوزي الى صفير وفيها: «لمن دواعي السرور العظيم بالنسبة اليّ ان اتقدم من غبطتكم، لمناسبة يوبيلكم البطريركي، بأحر التمنيات لشخصكم وللطائفة المارونية ولجميع اللبنانيين. اتخذتم قراراً بتقديم استقالتكم الى البابا بنيديكتوس السادس عشر، وقراركم هذا أثار، في فرنسا خصوصاً، أسفاً شديداً ولكن سيتم احترامه بصفته قراراً صادراً عن رجل لطالما تميز بالحكمة والتواضع». وأضاف ساركوزي في رسالته: «من جهتي، سأحتفظ بذكريات حية عن لقائنا في باريس، في 16 حزيران 2010 وعن الآراء القيمة للغاية التي عبرتم عنها في هذه المناسبة. وأود ان أحيي حرص غبطتكم الدائم على الحفاظ على علاقات صداقة عميقة قائمة على الثقة الكبيرة مع فرنسا، بما يتلاءم مع الروابط التي تجمع فرنسا بلبنان وهي روابط لا مثيل لها». وتابع الرئيس الفرنسي في رسالته: «اذ تتركون اليوم مهماتكم الرفيعة، أحيي مقامكم المعنوي والديني والسياسي، فخلال السنوات الخمس والعشرين التي أمضيتموها في سدة البطريركية وفي مرحلة حرجة من تاريخ لبنان، لطالما جسدتم فكرة سامية عن الضمير الوطني اللبناني، وانتم اذ كنتم اوفياء لارث البطريركية العريق، تمكنتم من ان تعبروا عن تمسك اللبنانيين باستقلالهم في ما هو ابعد بكثير من الطائفة المارونية الكريمة». واذ لفت ساركوزي الى ان «لبنان لا يزال اليوم يواجه تحديات مهمة»، اكد ان «فرنسا تبقى اكثر من اي وقت مضى الى جانب لبنان سيد وتعددي يستمد غناه من التنوع والحوار والصداقة الاسلامية - المسيحية». وكان صفير استقبل قبل ظهر امس، المزيد من الوفود والشخصيات التي شكرته على مواقفه طيلة فترة ولايته للكرسي البطريركي ومنها وفد من «حركة التجدد الديموقراطي»، وأشاد باسمه نائب رئيس الحركة مصباح الاحدب، بالمواقف الواضحة لصفير في الازمات والمراحل الصعبة، وعلى المستوى الوطني. وقال: «كان مرجعاً سياسياً لجميع اللبنانيين، ونأمل بأن يكون لدى الخلف نفس التطلعات والشيم التي لدى غبطته». والتقى صفير عميد «الكتلة الوطنية» كارلوس اده على رأس وفد من الكتلة ونوه بدور صفير «الوطني والجامع». وحيا وزير الدولة في حكومة تصريف الاعمال ميشال فرعون بعد لقائه صفير «المرجعية المارونية - المسيحية الجامعة والوطنية ذات الصفات الاستثنائية من صمود وايمان وتقوى وصبر التي كان يضعها دائماً بتصرف لبنان السيد الحر المستقل والوحدة والعدالة».