بعد ضجة عالمية أثارتها قبل عام قضية منع البوركيني في فرنسا وانقسام الآراء حولها بين مؤيّد ومعارض، غدا «بوركيني» من المصطلحات «الحديثة» الأكثر تداولاً في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وقبل نحو ثلاثة أعوام، كانت الزميلة مايا الحاج اختارته عنواناً لروايتها الأولى، الصادرة حديثاً في ترجمة فرنسية عن دار «إريك بونييه»، أنجزها أنطوان جوكي (بدعمٍ من المعهد الثقافي في السفارة الفرنسية في لبنان). تعرض الرواية عبر تقنية المونولوغ سيرة فنانة تشكيلية شابة، تعشق رسم الأجساد الأنثوية بينما تخفي جسدها تحت حجاب ارتدته في مجتمع عربي متخبّط بين التزام أعمى بتقاليد الماضي وانفتاح أهوج على حداثة لا يُشاركون في صناعتها. هذه البطلة المتوزعة بين حجابها الاختياري وندمها عليه، لا تُقدّم نفسها كضحية على غرار الصورة التي اعتدناها في روايات عربية أخرى، إنما تمشي بثقة على خيط الاختيار والندم مؤكّدة حريتها وفرديتها، هي التي عاشت في ظلّ أسرة مثقفة وميسورة الحال. حين ارتدته بقرارٍ ذاتي كانت سعيدة بقرارٍ جعلها تبدو مميزة عن أفراد عائلتها المتحررة، وإن باتت متماهية مع بنات المجتمع العربي/ الإسلامي الكبير. اعتقدت بدايةً انها نجحت في أن تحقق سلاماً داخلياً في إيمانٍ فقدته عند أبويها ووجدته في شخص جدتها الحكاءة التي طالما أدهشتها بقصصها عن الأنبياء والأولياء. لكنّ الشكّ ظلّ يراودها، تحاول حيناً أن تُقنع نفسها بحجاب يُعزّز إنسانيتها داخل مجتمعات ذكورية، وأحياناً ترفضه باعتباره سبباً في إخفاء أنوثةٍ منحها الله إياها. ثم يبلغ الصراع الداخلي ذروته حين ترى حبيبها وهو ينظر الى جسد امرأة أخرى بملابس مكشوفة. نظرة عابرة كانت كفيلة لتكشف عن حجم معاناة عميقة تعيشها الراوية. ومن هذا التمزّق بين الجسد المحتشم والجسد العاري يتولّد عنوان الرواية «بوركيني» (برقع وبيكيني). تسبر مايا الحاج أغوار بطلةٍ تعيش صراع قد يتبدّى ظاهرياً أنّه ناجم عن الحجاب لنكتشف من ثمّ أنه صورة عن صراع إنساني يعيشه جيل عربي بأكمله، وليس الحجاب سوى رمز فني استخدمته في الرواية. عن هذه الرواية كتبت الفرنسية ميلاني هوفمان في مقالتها: «تقدم مايا الحاج في «بوركيني» شهادة لم يسبق أن قرأنا مثلها في أعمالٍ عربية أخرى. إنه يحمل نظرة جديدة حول قضية الحجاب والصراع الداخلي الذي يمكن أن ينتج منه. وبأسلوب سلس تتناول الكاتبة أحد الموضوعات المحرّمة (الجسد)، هكذا جاءت الرواية عبارة عن سرد حميم وجداني تُخبرنا من خلاله عن داخلها ومزاجها وشكوكها إزاء قضايا من المفترض أنها راسخة». أما كاتيا غصن فاعتبرت في مقالٍ نشرته في «لوريان ليتيرير» أنّ «رواية مايا الحاج هي جزء من صراعٍ لم يتمّ حله إلى الآن بين الحداثة والتقاليد. إنها تجادل- بأسلوبها الخاص- في النقاش المحتدم حول موضوع الحجاب الإسلامي، بعيداً من الأحكام الشخصية أو المواقف العقائدية». ورأت غصن أنّ مسألة الهوية وجدلية الأنا والآخر هي ايضاً من التيمات المهمة التي تناقشها الرواية بنبرة خافتة. أما النهاية فتبقى مفتوحة لأنّ السجال حول القضية الرئيسة مازال مستمراً. هكذا تظلّ البطلة في تذبذب دائم بين التزامها الديني من جهة ورغبتها في تحرير جسدها، ما يخلق لديها تناقضات لا تنتهي».