قد لا يستأهل الأمر أكثر من نظرة مفتوحة على مداها ليكتشف أحدنا حجم التضارب في حياة الشباب العربي اليوم. مشهدان متناقضان يسيطران على حياتهم اليومية، الأول عبارة عن انفتاح ثقافي على الغرب يتمثّل باستلاب لغوي وفكري وسلوكي. والثاني تُجسّده الردّة الدينية القوية بين صفوف الشبان والشابات في الدول العربية. ومن هذا الواقع الغارق بين ثقافتين متباعدتين، استوحت الكاتبة اللبنانية مايا الحاج فكرة روايتها الأولى «بوركيني» التي صدرت أخيراً بطبعتها الثانية عن منشورات ضفاف والاختلاف، بعد نفاد الطبعة الأولى خلال أشهر على صدورها. فاختارت الوقوف عند لحظة متأزمة في حياة بطلة، لا تشبه أيّ بطلة أخرى، لكنها تختزل بتخبطاتها واقع الشباب العربي وتخبطاته في مرحلة مفصلية يعيشها بين عولمة تحيط به من كلّ جهة، وأفكار ظلامية متشددة من جهة أخرى. ومن هنا عنوان الرواية المشتقّ من كلمتي «برقع» و«بيكيني». تستعرض الرواية إذاً فكرة الحجاب من خلال مقاربة جديدة ومختلفة للجسد بأبعاده النفسية والروحية والاستيتيكية. فتنطلق الكاتبة من موضوع الحجاب بما يحمله من معانٍ عقائدية واجتماعية وإنسانية، وتصوّر من ثمّ العوالم الداخلية لامرأة تكتشف جماليات جسدها بعد حجبه، فتقع فريسة صراع وجودي معقد بين منظومتين متباعدتين، هي الرسامة المتحررة فكرياً، والمحجبة المؤمنة المشككة. وبهذا تكون الكاتبة قد تجاوزت بفكرتها الإطار الديني/ الأنثوي المرتبط بالحجاب، ليتحوّل إلى رمز عبّرت من خلاله عن صراع إنساني، وجودي، يُمكن أن يعيشه أيّ إنسان في أي مكان. «بوركيني» رواية نفسية - واقعية تعكس بلغة جديدة تعقيدات مرحلة دقيقة من خلال تحليل الجسد الأنثوي، وقد اختيرت أخيراً ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عن فئة المؤلف الشاب.