عندما كنت صغيراً في بيروت كانت «مؤامرة صهيونية» تقف وراء كل مصيبة دولية أو فشل عربي، كانت الصهيونية الشماعة التي تُعلّق عليها كل الأخطاء والخطايا. واكتشفت وأنا أودع المراهقة ان العالم مليء بالمتآمرين، وقد ركزت زمناً مع زميل أميركي في «الديلي ستار» على نادي، أو مجموعة، بيلدبرغ الذي تأسس سنة 1954 ورأسه في البداية الأمير برنارد، وهو لا يزال يعقد اجتماعاً سنوياً لقادة السياسة والمصارف والأعمال والعسكر والميديا، إلا أنه لا يصدر أي معلومات عن المحادثات ما جعل كثيرين يعتبرون النادي مؤامرة لحكم العالم تجمع مافيات السياسة والمال. منذ تلك الأيام ونظرية المؤامرة تلاحقني، وقد وجدت أن الأسباب تختلف كثيراً بين قضية وأخرى ثم تلتقي في تفسير ما حدث بأنه مؤامرة. عرب ومسلمون كثيرون لا يزالون الى اليوم يقولون ان إرهاب 11/9/2001 مؤامرة صهيونية، وهم بقوا عند موقفهم حتى بعد أن أعلنت «القاعدة» مسؤوليتها عن الإرهاب في نيويورك وواشنطن. وعرب ومسلمون مثلهم اليوم يقولون ان الانفجار خارج كنيسة في الإسكندرية مؤامرة صهيونية أخرى نفذها الموساد، كما قرأت في تعليقات وأخبار وصلت إليّ من دون طلب. في مثل هذا الوضع هناك سذاجة وحتى غسل دماغ، غير ان السبب الأهم هو ان المسلم أو العربي الذي اختار نفي التهمة عن قومه لا يريد أن يصدق ان مسلماً أو عربياً مثله يرتكب مثل هذه الجريمة الإرهابية الفظيعة. بين 2001 و2010 كانت هناك «المؤامرة الصهيونية» وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان سنة 2005، والسبب هنا استبعاد أطراف قد يؤدي ثبوت التهمة عليها الى كارثة سياسية أو عودة الحرب الأهلية. وقد أصبحت المؤامرة صهيونية - أميركية بسبب العلاقة العضوية بين الطرفين. تعليقي الوحيد على المؤامرة الصهيونية الحاضرة أبداً هو «يا ليت» فلو أن إسرائيل ارتكبت إرهاب 2001 أو قتلت الحريري في 2005، أو نفذت انفجار الإسكندرية لكانت دفعت ثمناً رهيباً نستفيد منه بقدر ما استفادت إسرائيل من جرائم ارتكبها إرهابيون طلعوا من وسطنا. ووجدت ان هناك قاسماً مشتركاً لتفسيرنا الأمور غير المناسبة بأنها مؤامرة صهيونية، فإسرائيل دولة احتلال وقتل وتدمير، وحكوماتها المتتالية فاشستية مجرمة، وهي بالتالي «جسمها لبّيس» كما نقول في لبنان ما يحتاج الى شرح، فالشاب الرياضي الوسيم الطويل تناسبه أي ثياب أو تكمل أناقته، وإسرائيل تناسبها أي جريمة وتصدق عنها لأنها ترتكب الجرائم كل يوم فقيامها في أراضي الفلسطينيين جريمة، والاحتلال المستمر والاستيطان وهدم بيوت الناس وقتل النساء والأطفال جرائم أخرى. إسرائيل تعيش على حساب الولاياتالمتحدة وتكاد تدمر كل مصلحة أميركية حول العالم. وهي تتجسس على الولاياتالمتحدة فلا تمضي سنة من دون خبر عن جواسيس لإسرائيل، بعضهم من اليهود الأميركيين الليكوديين أصحاب الولاء الواحد لإسرائيل. وكنت أقرأ قبل أيام عن جواسيس إسرائيليين اتصلوا بعرب ومسلمين أميركيين زاعمين انهم من الاستخبارات الأميركية، أو «إف بي آي»، وطلبوا منهم التجسس على جيرانهم من العرب والمسلمين. وفي حين ان بعض الذين جرى الاتصال معهم رفض، فإن بعضاً آخر شكّك في الأمر وبلّغ الشرطة الأميركية فبدأ التحقيق. ثم ان الموساد تغتال الناس في البلدان العربية وأفريقيا وأوروبا وأي مكان تستطيع ان تصل اليه، وهي تزوّر جوازات سفر لدول يفترض أن تكون حليفة لإسرائيل. وبما ان الكونغرس الأميركي يؤيد اسرائيل الى درجة خيانة المصالح الأميركية، فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تتوقف يوماً عن ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين وكل الجيران وحول العالم. اليوم اسرائيل هي الدولة النازية الجديدة الوحيدة الباقية في العالم، ودولة الابارتهيد ووريثة جنوب أفريقيا السابقة، والدولة التي تحمل الرقم القياسي في إدانات الأممالمتحدة ولجانها المختصة، ما يعني ان رأي العالم كله فيها من رأيي. يتبع ما سبق أن من السهل اتهام إسرائيل بأي جريمة ترتكب حول العالم لأن سجل إسرائيل سيظهر انها ارتكبت مثلها. طبعاً هذا هروب وأدين العرب والمسلمين الذين يستعملون المؤامرة الصهيونية لإنكار مسؤوليتهم عن إرهاب الفئة الضالة، وعن تقصيرهم وفشلهم وعجزهم وهوانهم على أنفسهم وعلى الناس. إسرائيل سيئة جداً إلا أننا لسنا باقة ورد. [email protected]