مهرجان «موازين» في الرباط جمع في دورته الثامنة لهذا العام (بين 15 الجاري و23 منه) أسماء لامعة في عالم الموسيقى والغناء، من الاسترالية كايلي مينوغ التي افتتحت فعالياته إلى ستيفي واندر الذي اختتمه، مروراً بأليشا كايس وسولومون بورك والفرقة الإسبانية «أوخوس دي بروخوس» (أو عيون السحرة) وأمير كوستوريكا. وعربياً كان كل من وردة الجزائرية التي كرمت وشيرين وكاظم الساهر وجورج وسوف ونجوى كرم وسميرة سعيد... وغيرهم ممن جذبوا جمهوراً ملأ مدرجات المهرجان. وزائر الرباط غالباً ما يتلقى نصيحة «سياحية» تفيد بأنها مدينة إدارية هادئة ليس فيها الكثير ليزار، والأجدى به أن يتوجه إلى مراكش أو فاس أو حتى الدارالبيضاء ليتعرف الى نكهات محلية أكثر خصوصية. لكن ومع انطلاق «موازين»، تحولت الرباط وجهة ثقافية وفنية ترقص على «إيقاعات العالم» بحسب شعار المهرجان، خصوصاً أنه مجاني يسمح لكل مغربي بحضور حفلة حية لنجوم لا يراهم إلا تلفزيونياً. إنها فعلاً إيقاعات العالم... مئات الفنانين والفرق الموسيقية والفنانين التشكيليين قدموا من أكثر من 40 بلداً للمشاركة في تظاهرة فنية أرادتها المملكة المغربية حدثاً يتفوق على غيره من المهرجانات ويثبت الرباط موعداً سنوياً على جدول الأحداث الثقافية. 100 حفلة موسيقية ضخمة احتلت 9 منصات أو مسارح موزعة في أرجاء المدينة ويتسع بعضها لأكثر من 60 ألف متفرج. وبين موقع شالة التاريخي الذي يعود إلى الحقبة الرومانية و «فيلا الفنون» الحديثة، مروراً بمسرح محمد الخامس العريق وغيرها من المنصات، كانت الرباط ليلاً مدينة تنضح صخباً وحيوية. وتوزع الفنانون على المنصات بحسب «نوعية» الجمهور... وتوقعات عدده. فنُصب في «فضاء شالة» مثلاً مسرح على كتف واد صغير، فبدا كأنه مخصص للحفلات الخاصة. وفي أحيان كثيرة لم يتجاوز عدد حضور هذه المنصة ال 100 شخص، لكنهم شكلوا نخبة ذواقة منفتحة على عوالم موسيقية غريبة. فعلى هذا المسرح أدت فرقة «ألتان» الإرلندية ألحاناً تقليدية وأغاني لم يفهمها الحضور لكونها باللغة السلتية الخاصة بالشمال الإرلندي. لكن ذلك الحاجز اللغوي لم يمنع الحضور من التفاعل مع الموسيقيين في شكل يوحي بأن كل كلمة تقال وكل «نوتة» موسيقية تُلعب تعيد السامع إلى ذكريات قديمة. عزف آخر عابر للغات استضافه هذا المسرح، أداه الإيراني علي رضا غرباني مع فرقته الموسيقية مترافقاً مع لحظات غناء خاطفة أشبه ما تكون بأصداء شجية مرافقة للآلات الموسيقية. فرانسوا رباط عازف الشيلو الفرنسي من أصل سوري والعضو في «أوركسترا باريس» حط أيضاً رحاله على هذا المسرح يرافقه ابنه على آلة البيانو. ولم ينجُ المهرجان منذ بداياته من حملة سياسية شنها التيار الإسلامي، وممن اعتبروه تبذيراً للمال العام. ولم يخف ذلك طبعاً على السلطات والمنظمين الذين ضاعفوا الإجراءات الأمنية، خصوصاً مع انطلاقة المهرجان التي كانت تزامنت مع ذكرى الاعتداءات الإرهابية على الدارالبيضاء.