أوحى لقاء وزيرَي الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون والروسي سيرغي لافروف في بون أمس، بأن العلاقات بين الجانبين لن تشهد تحولاً إيجابياً سريعاً، بعد توتر تلى فرض واشنطن عقوبات على موسكو إثر ضمّها شبه جزيرة القرم وتدخلها عسكرياً في النزاع الأوكراني. فاقم ذلك سجال حاد في الولاياتالمتحدة حول تدخل روسي محتمل في انتخابات الرئاسة التي نُظمت في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وشبهات باتصالات لحملة الرئيس دونالد ترامب مع موسكو، أطاحت مستشاره للأمن القومي مايكل فلين. وتحدث لافروف عن محادثات «براغماتية»، مؤكداً أن موسكو لا تتدخل «في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى»، ومدافعاً عن توصل الجانبين إلى تفاهمات حين «تتقاطع مصالحهما». في المقابل، أعلن تيليرسون استعداد الولاياتالمتحدة للتعاون مع روسيا في مسائل «تخدم مصلحة الشعب الأميركي»، وحضّها على احترام اتفاقات مينسك للسلام في أوكرانيا. وقبل ساعات من لقاء تيلرسون – لافروف، الأول بينهما منذ تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أن بلاده «لا ترى ظروفاً مواتية لتعاون عسكري» مع روسيا، التي شددت على «عقم» محاولة الولاياتالمتحدة «إقامة حوار» بين الجانبين «من موقع قوة». لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتبر أن «إعادة الحوار مع الأجهزة السرية في الولاياتالمتحدة وأعضاء آخرين في الحلف الأطلسي، من مصلحتنا المشتركة». وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن رئيسَي الأركان الأميركي الجنرال جوزف دانفورد ونظيره الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف «توافقا على تعزيز الاتصالات بين الجيشين حول إجراءات للاستقرار»، خلال اجتماع في باكو أمس. وأضافت أنهما «تبادلا آراء حول وضع العلاقات العسكرية بين الولاياتالمتحدةوروسيا والأمن الدولي في أوروبا والشرق الأوسط ومناطق حيوية أخرى»، كما اتفقا على تعزيز التواصل لتجنّب «حوادث غير مقصودة». في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد لقائه تيليرسون في بون، أن المملكة «تتطلع إلى العمل مع إدارة ترامب في كل قضايا المنطقة»، مبدياً تفاؤلاً في إمكان تخطي التحديات فيها. وأفادت وكالة الأنباء السعودية (واس) بأن الجانبين «بحثا في العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، بينها الأوضاع في سورية واليمن». لقاء تيلرسون – لافروف أتى على هامش اجتماع لوزراء خارجية دول مجموعة العشرين في بون، تمهيداً لقمة زعماء المجموعة في هامبورغ في تموز (يوليو) المقبل، والتي سيحضرها ترامب. ويُرجّح أن يواجه الوزير الأميركي تساؤلات وهواجس كثيرة من نظرائه، لا سيما الأوروبيين والآسيويين، في شأن المسار الذي ستتخذه سياسة ترامب بعد تودّده إلى روسيا وتشدّده مع حلفاء للولايات المتحدة في منطقة آسيا– المحيط الهادئ ورفعه شعار «أميركا أولاً». لكن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، وافق على «مقاربة» واشنطن حيال موسكو، إذ قال بعد لقائه نظيره الأميركي: «لا نريد دخول حرب باردة جديدة، لكننا لا نريد أيضاً أن يبقى الموقف الروسي كما هو، وكان ريكس تيليرسون واضحاً جداً في هذا الصدد». أما وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال، فانتقد ترامب ضمناً، مشدداً على أن «أي دولة في العالم لا يمكنها التصدي بمفردها للمشكلات الدولية الكبرى الساخنة»، ومندداً بميل إلى «الانغلاق» ونشر «أسلاك شائكة». وأشار تيلرسون إلى إجرائه محادثات مثمرة مع لافروف، مضيفاً: «تعتزم الولاياتالمتحدة التعاون مع روسيا حين يمكننا إيجاد مجالات تعاون عملي تخدم مصلحة الشعب الأميركي. حين نختلف، ستدافع الولاياتالمتحدة عن مصالحها وقيمها ومصالح حلفائها وقيمها». وتابع: «فيما نبحث عن قاعدة مشتركة جديدة، نتوقّع من روسيا احترام التزاماتها في اتفاقات مينسك والعمل لنزع فتيل العنف في أوكرانيا». أما لافروف فذكر أنه عقد اجتماعاً «براغماتياً» مع نظيره الأميركي، ناقشا خلاله النزاعات في سورية وأوكرانيا وأفغانستان. واستدرك أنهما لم يبحثا في العقوبات الأميركية المفروضة على موسكو، قائلاً: «ننطلق من واقع أنه حدث عارض وأن مَن قرّروا (فرضها) عليهم أن يقيّموا أين تكمن فاعليتها بالنسبة إليهم». ولفت إلى أن ترامب وبوتين سيلتقيان حين يعتبران ذلك «ممكناً»، مشيراً إلى «مصالح مشتركة، لا سيما في ما يتعلّق بالحرب على الإرهاب». وأردف: «واضح أننا لا نستطيع تسوية كل المشكلات، وأعتقد بأن قوى كبرى مشابهة لا يمكنها أبداً أن تدبّر حلولاً لكل الأمور. لكننا ندرك جميعاً أنه حيث تتقاطع مصالحنا، وذلك هو الأمر غالباً، علينا أن نمضي قدماً». وأكد لافروف أن روسيا لا تتدخل «في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى»، وزاد: «المسائل التي سنناقشها كثيرة، وآمل بأن نتناقش ونضع معايير عملنا المشترك».