مقديشو - أ ف ب - تُطبّق الوحدات الأوغندية في قوة السلام الافريقية في مقديشو وسيلة جديدة للتقدم نحو مواقع الإسلاميين المتمردين، منزلاً منزلاً، تُطلق عليها اسم «تكتيك ثقب الفأر والنفق». ويفتح الجنود المنتشرون على طول جبهة هودان في قلب العاصمة، بالمعاول والفؤوس وفي عمل طويل وشاق، طريقاً بين المنازل المهجورة والأزقّة الرملية. وتحوّل الحي الذي كان على الأرجح فخماً بفيلاته المحاطة بحدائق والتي تظللها أشجار كثيفة وراء جدران بيضاء عالية، إلى مدينة أشباح تآكلت واجهاتها بالرصاص. وتتناثر أكياس البلاستيك القذرة ورصاصات الأسلحة الرشاشة الفارغة على الطرق التي تحوّلت إلى ممرات ضيقة طغت عليها الاعشاب الشائكة. وتراكمت هياكل سيارات على مفترق الطرق والباحات الخلفية شاهدة على معارك ضارية. وأقام الجنود الأوغنديون هناك مركز «ترابونكا» في وجه «حركة الشباب» الإسلامية، مدعومين بميليشيات حكومية يقودها زعيم الحرب يوسف محمد زياد اندعدي. ومن هذه النقطة المتقدمة التي يحتلونها منذ قرابة الشهر وتدافع عنها مدرعات «تي-72»، يؤكد رجال قوة السلام الافريقية في الصومال أنهم استولوا على نحو 25 منزلاً خلال ثلاثة أسابيع تقريباً، متقدمين أكثر من مئتي متر في اتجاه سوق بكارة الذي يُعتبر معقل حركة التمرد. ويؤكد الكولونيل انطوني لوكوابو قائد المنطقة: «إننا نتقدم كلما استطعنا. نتقدم ببطء لكن بثقة وسنصل إلى بكارة». وتفضّل قوة السلام الافريقية تكتيك التقدم البطيء على الزحف بالدبابات على الطرق الكبيرة. وأوضح الضابط: «إذا مررنا في الشوارع الكبيرة يرانا المتمردون فيطلقون النار». ويتم التقدم من منزل إلى آخر عبر شبكة حفر معقدة وسلالم من الخشب، فيما يعزز كل شبر يتم الاستيلاء عليه من ميدان المعركة ويحتله جنود مسلحون. ووسط هذه المتاهة يعكف عشرون رجلاً وسط طريق تغطيه الغبار، على ملء أكياس بالرمل، همس قائدهم إنهم «يستعدون للتحرك». وفي مكان آخر تستريح دورية وراء باب حديد مترنح غلب عليه الصدأ تحت ظل بناية مدمرة. وفي حديقة طغت عليها الأعشاب البرية، يعكف جندي مبتسم على طبخ الطعام فوق خشبة موقدة. وفي الطابق الأعلى يطل رشاش ثقيل من نافذة صغيرة بغرفة مدهونة بلون بنفسجي موحية بأنها كانت غرفة أطفال تشهد على حياة عائلية هانئة قبل زوالها. وفوق سطح المبنى نُصب مدفع هاون من عيار ستين ملم ومنصة رمي قذائف بينما يترصد الجنود وراء جدار من الأكياس الرملية خطوط العدو التي يكادون يبلغونها من الخلف وسط دوي عيارات قناصة المتمردين. وقال الكولونيل لوكوابو: «نقترب شيئاً فشيئاً من الهدف»، مؤكداً: «سأفتح النار في الوقت المناسب». ولخّص الناطق باسم قوة السلام الافريقية في الصومال الميجور با هوكو باريجي الموقف بالقول إنه «احتلال منطقة وتعزيزها ثم التقدم من جديد». وأضاف: «إنه أمر بسيط لكنه فعّال». ويرى الجيش الأوغندي المعتاد على قتال الأحراش في ذلك مرحلة إضافية من خبرته في معارك المدن في ميدان المعركة بمقديشو. ويصعب تقويم نجاعة الطريقة إلا أن الأوغنديين يحتلون اليوم فعلاً منطقة كان يسيطر عليها المتمردون قبل أربعة أشهر على بعد نحو 700 متر شمال مفترق الطرق «كي4» الاستراتيجي. وقال الميجور با هوكو «إنها تقتضي انتشار عدد كبير من الرجال» بينما تعاني قوة السلام الافريقية وقوامها 7200 أوغندي وبوروندي من نقص في العديد. وذكرت مصادر طبية وشهود عيان أمس أن متمردي «الشباب» شنّوا الخميس هجوماً جديداً في مقديشو ضد القوات الحكومية وقوة السلام الافريقية قُتل خلاله ما لا يقل عن 19 مدنياً. وقال مراسل لوكالة «فرانس برس» إن المعارك اندلعت فجراً في عدد من أحياء العاصمة. وهاجم المتمردون مواقع قوات الحكومة والقوة الافريقية على خطوط الجبهة شمال العاصمة وجنوبها، وسط تبادل للقصف المدفعي العنيف. وصرّح رئيس أجهزة الإسعاف في مقديشو علي موسى إلى «فرانس برس»: «أحصينا 19 مدنياً قُتلوا في المعارك حتى الآن و86 جريحاً»، موضحاً أن «معظم الضحايا سقطوا في عمليات القصف في سوق بكارة». وأضاف: «إنها كارثة. قتلوا مدنيين أبرياء بقصف سوق مكتظة». وقال شاهد عيان: «لم أر من قبل حمام دم كهذا. قُتل تسعة أشخاص على الفور في بكارة» عندما سقطت قذيفة هاون على شاحنة مكتظة بركاب. وأكد شاهد آخر هو أحمد عبدالله أن «بين الضحايا نساء واطفالاً». وكانت المعارك متواصلة ولكن في شكل متقطع منتصف نهار أمس الخميس في مناطق هوغان وهلواداغ (جنوب) وبونديري وشيبيس (شمال).