تتبع فرقة «لا كوميدي فرانسيز» المسرحية الوطنية الفرنسية سياسة انفتاح تجاه المواهب الأجنبية الجذور، وذلك منذ أكثر من عشر سنوات. ولعل أبرز مثال على الأمر دخول الممثلة الجزائرية الأصل رشيدة براكني إليها، فضلاً عن أدائها مجموعة من أجمل الأدوار الكلاسيكية وأقواها، إلى جانب نخبة من أكبر نجوم المسرح الفرنسي. وتَبِع براكني الممثل الأفريقي بكاري سانغاري، وها هي الآن سيليان إبراهيم (36 سنة) المنتمية إلى عائلة جزائرية والمولودة في مدينة بورج الفرنسية تسلك الطريق ذاته وتتبع خطى براكني عقب مغادرة الأخيرة الفرقة وتفرغها للسينما. تلمع إبراهيم فوق خشبة أعرق مسرح فرنسي في أدوار لافتة، حال شخصية هيرميا التي تؤديها حالياً وحتى منتصف شهر تموز (يوليو) المقبل، في مسرحية «حلم ليلة صيف» للأديب العالمي وليم شكسبير، وهي من إخراج موريال ماييت هولتز، مديرة فرقة «لا كوميدي فرانسيز» في الفترة الراهنة. والإنجاز الذي تحققه إبراهيم اليوم، هو المشاركة في مسرحيتين كبيرتين في الفترة ذاتها. والمسرحية الثانية هي «أندروماك» الدرامية لجان راسين، وتمثل إبراهيم فيها الدور النسائي الأول تحت إدارة المخرجة ذاتها. وتعرض فرقة «لا كوميدي فرانسيز» المسرحيتين في يوم واحد: الأولى في الثانية بعد الظهر، والأخرى في الثامنة مساء. وبما أن هذه الأعمال الكلاسيكية غالباً ما تدوم أكثر من ثلاث ساعات، يسهل تخيّل المسؤولية الواقعة على عاتق إبراهيم والجهود التي تبذلها من أجل أن تبدو أمام الجمهور وكأنها مرتاحة ومتمكنة كلياً من قواها الجسمانية والعقلية، وهو شيء تنجح فيه الفنانة بلا نقاش، مستحقة التصفيق الحاد والهتاف في ختام كل عرض. وإلى جانب مشاركتها في العملين المذكورين، تستعد إبراهيم لتلعب أحد الأدوار الرئيسة الرجالية - وهذا وحده يُعد تحدياً كبيراً - في مسرحية «لوكريس بورجيا» لفيكتور هوغو، والتي يخرجها ديني بوداليديس، أحد أبرز أفراد فرقة «لا كوميدي فرانسيز». وستبدأ عروض المسرحية الأخيرة في 25 أيار (مايو) المقبل، وكل الأماكن (الصالة تتسع لألف متفرج) مباعة حتى نهاية شهر تموز (يوليو) المقبل. ولا تكمن الطرافة الوحيدة في شأن هذه المسرحية في أن إبراهيم ستظهر في شكل رجل، بل أيضاً وبخاصة في أداء الممثل غيوم غاليان شخصية القاتلة الشريرة لوكريس بورجيا. وفاز غاليان أخيراً بجوائز عدة في الإخراج والتمثيل عن فيلمه «غيوم والصبيان تعالوا إلى المائدة»، وهو عمل سينمائي من تأليفه الشخصي ومبني من حول ذكريات طفولته، علماً أنه كان قدمه في شكل مسرحية منذ أربعة أعوام. وبسبب النجاح الذي لاقاه العرض، قرر غاليان تحويل النص إلى سيناريو للشاشة الفضية. إلى ذلك، تظهر إبراهيم في أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، مقلدة في هذه الخطوة مشوار براكني التي تتألق في السينما والمسرح على السواء، ولكن بعيداً من الفرقة الوطنية، ولسبب بسيط يتلخص في عدم سماح «لا كوميدي فرانسيز» في تلك الأيام، أي منذ أكثر من عشر سنوات، لأعضاء فرقتها بالعمل خارج إطارها. وهكذا فضلت براكني تقديم استقالتها على رغم نيلها جائزة مسرحية مهمة عن أحد أدوارها في عمل شاركت فيه لحساب الفرقة الوطنية. ولأمور تغيرت الآن وصارت الفرقة على يدي مديرتها موريال ماييت لا تشترط التفرغ طالما أن النشاطات الخارجية لأفرادها لا تتعارض مع مسؤولياتهم تجاه «لا كوميدي فرانسيز».