تستعد تركيا لافتتاح كنيسة واقعة شرق الاناضول يوم 19 سبتمبر/ أيلول حيث ستنظم قداسا ليوم واحد والذي قد يصبح حدثا سنويا، بعد ان تحولت الكنيسة متحفا وطنيا ورمزا لعملية المصالحة الشاقة. فبالنسبة للارمن في جميع أنحاء العالم تمثل الكنيسة الواقعة شرق الاناضول شاهدا على قرون من الاضطهاد والترحيل والقتل الجماعي الذي قامت به القوات العثمانية. وتوجد خلافات كبيرة بين تركيا وأرمينيا حول تاريخهما المضطرب كما لا تزال الحدود بينهما مغلقة رغم اتفاقات سلام أبرمت بوساطة أميركية العام الماضي. في حين يعتبر صفاء مشهد تحلق الطيور حول قبة الكنيسة الأرمينية التي تعود للقرن العاشر الميلادي في جزيرة ببحيرة فان التركية، وتتناثر مشاهد القبور المسيحية في حديقة بالجزيرة حيث استظل من خرجوا للنزهة بأشجار اللوز وحرص آخرون على أخذ حمام شمس بعد السباحة، صفاء يحمل وراءه ماضيا صادما لازال يلقي بظلاله على تركيا وأرمينيا إلى اليوم. وقال ارام اتيشيان وهو كبير أساقفة وزعيم روحي للارمن في تركيا "هذه الكنيسة مهمة جدا للارمن ليس فقط في تركيا وإنما في شتى أنحاء العالم. "ظللنا لعقود لا نستطيع إقامة قداس فيها ولا شعائر دينية لان الحكومة كانت تمنع ذلك." وبقبتها مخروطية الشكل والجداريات التي تصور القديسين ورسومات المشاهد الانجيلية على جدرانها الخارجية حمراء اللون تعتبر الكنيسة واحدة من أجمل النماذج المعمارية لما تبقى من الحضارة الارمينية القديمة في تركيا والتي اختفت قبل قرن بسبب ما يعتبره الكثيرون إبادة جماعية. وتقع الكنيسة وسط بحيرة مالحة وجبال يغطي الجليد قممها طول العام مما يجعلها مقصدا طبيعيا للسياحة في هذه المنطقة الفقيرة. وكانت أعداد كبيرة من الارمن تعيش في مدينة فان وشرق الاناضول حتى طردتهم القوات العثمانية عام 1915 أثناء السقوط الفوضوي للامبراطورية العثمانية. وفي يوم من الايام كانت هناك ألفا كنيسة أرمينية في تركيا لكن لم يتبق منها إلا 45 . ويقول مسؤولون في أرمينيا إن البقية دمرت أو نهبت أو تم تحويلها إلى مساجد أو مدارس. وأعيد افتتاح الكنيسة عام 2007 كمتحف في تركيا بعد أعمال ترميم بتكلفة 1.5 مليون دولار قامت بها الحكومة التركية. ورفصت مطالب مسؤولين في الكنيسة بتعليق صليب فوقها. لكن منير كارال اوغلو حاكم إقليم فان التركي قال إن صليبا سيعلق فوق قبة الكنيسة قبل القداس وسيبقى. ويقول مسؤولون كنسيون إن الدولة التركية فرضت سيطرتها على الكنيسة التي بنيت في أكدامار بين 915 و921 ميلاديا. ولأنها مبنى عام فان التعبير عن المعتقدات الدينية غير مسموح به تماشيا مع الدستور التركي العلماني الصارم. وكثيرا ما تواجه أنقرة انتقادات في الغرب لتعاملها مع الاقليات المسيحية وروجت تركيا للقداس على أنه دليل على التزامها بالتسامح. ويقول منتقدون إن القداس الذي يستمر يوما واحدا هو مسعى في إطار العلاقات العامة ووسيلة لتحسين صورة تركيا الطامحة في الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي. وتعرضت جهود تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا لانتكاسة في ابريل/ نيسان عندما جمدت يريفان التصديق على اتفاق بعد شهور من الجمود بين الجانبين. وكان الاتفاق يقضي بإقامة علاقات بين البلدين ويدعو إلى إجراء "تحقيق حيادي وعلمي" في ما جرى عام 1915 . وتقول أرمينيا التي يؤيد روايتها للاحداث الكثير من المؤرخين والبرلمانات في العالم إن نحو 1.5 مليون من الارمن قتلوا أثناء الثورات التي صاحبت الحرب العالمية الاولى وتصف ما حدث بأنه إبادة. وترفض أنقرة استخدام كلمة إبادة وتقول إن أعدادا كبيرة من الارمن المسيحيين والاتراك المسلمين قتلوا. وأعرب مسؤول في وزارة الخارجية التركية عن أمله في أن يحسن القداس في الكنيسة الاجواء المحيطة بعملية السلام. وأضاف "سيكون من الجيد أن تساهم هذه الخطوة في عملية التطبيع بين تركيا وأرمينيا لكن يجب أن نكون واقعيين ... الحدود بين أرمينيا وتركيا مغلقة لاسباب سياسية." وأغلقت تركيا الحدود عام 1993 تضامنا مع أذربيجان حلفيتها المسلمة في حربها ضد أرمينيا على إقليم ناجورنو قرة باغ. وتقول إنقرة إن إحراز تقدم مع أرمينيا مستحيل حتى تسوي يريفان الصراع على الاقليم مع أذربيجان. ويقول مسؤولون في فان إن الفنادق كلها محجوزة وإن المدينة تستعد لاستقبال الارمن "من جميع أنحاء العالم" على الرغم من أن الحدود القريبة مغلقة حتى أن القادمين من أرمينيا سيضطرون للقيادة لمدة 20 ساعة عبر جورجيا أو السفر جوا إلى مدينة اسطنبول البعيدة ثم ركوب طائرة أخرى إلى فان. ولم تعلق وزارة الخارجية الارمينية على القداس وقال مسؤولون في يريفان إنهم لم يتلقوا دعوة لكن مسؤولين في الكنيسة الارمينية رأوا بوادر مبشرة على تغير في النظرة إلى معتقداتهم. وقال فاهرام مليكيان وهو متحدث باسم الكنيسة الرئيسية في أرمينيا حيث يوجد مقر بطريرك الارمن "نحن سعداء لتغيير السلطات التركية نظرتها إلى المسألة بشكل جزئي لكن قداس يوم 19 سبتمبر خطوة متأخرة وغير كافية." وكتبت عبارات مثل "احترم التاريخ .. احترم الثقافة" على لافتات داخل الكنيسة في فان لكن الحساسيات لازالت قائمة.