استعاد العالم شيئاً من أجواء الحرب الباردة أمس، بعد إجراء واشنطنوموسكو في مطار فيينا أضخم عملية لتبادل جواسيس بينهما منذ انتهاء تلك الحقبة، شملت 10 أشخاص اعتُقلوا في الولاياتالمتحدة، و4 كانوا يقضون أحكاماً بالسجن في روسيا. وبذلك يغلق البلدان في سرعة قياسية ملفاً هدد بنسف جهود الرئيسين باراك أوباما وديمتري ميدفيديف ل «إعادة إطلاق» العلاقات بينهما، بعدما شابتها خلافات كثيرة في السنوات الأخيرة. ووضعت موسكو التبادل في سياق الحفاظ على «الطبيعة الإستراتيجية للشراكة بين موسكووواشنطن». وحطت في مطار «دوموديدوفو» في ضواحي موسكو أمس، طائرة تابعة لوزارة الطوارئ الروسية تقل المواطنين الروس العشرة المرحّلين من الولاياتالمتحدة، بعد اتهامهم بممارسة نشاط تجسسي ومخالفات للقوانين الأميركية. في المقابل، حطّت في لندن لوقت قصير طائرة أميركية أقلت الروس الأربعة الذين أقروا بتجسسهم لمصلحة الغرب. ونقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن مصدر أميركي قوله إن اثنين من الروس الأربعة بقوا في لندن، فيما غادر الآخران الى الولاياتالمتحدة. جاء ذلك بعد إتمام عملية التبادل في فيينا التي شهدت حدثاً آخر في تاريخها الطويل بوصفها مركزاً لديبلوماسية الحرب الباردة. وتوقفت الطائرتان الروسية والأميركية جنباً الى جنب على المدرج في مطار فيينا، لنحو ساعة ونصف الساعة، بينما كانت سيارات تتحرك ذهاباً وإياباً بينهما. وبعد ذلك أقلعت الطائرة الروسية وأعقبتها الأميركية. وهذا أول تبادل جواسيس منذ نهاية الحرب البادرة العام 1990. وأضخم عملية مماثلة أجريت العام 1985 وشملت أكثر من 20 جاسوساً على جسر غلينيكي في برلين. وبعد امتناعها عن التعليق أياماً، أعلنت وزارة العدل الأميركية استكمال عملية التبادل بنجاح، فيما أفادت الخارجية الروسية بأن ما جعل هذا التبادل ممكناً هو «الظرف المتميز بتحسن العلاقات الروسية - الأميركية»، مشيرة الى انه يأتي في سياق الحفاظ على «الطبيعة الإستراتيجية للشراكة بين موسكووواشنطن». وأشارت الى أن التبادل «يوفّر سبباً لتوقّع أن المسار الذي أقره زعيماً روسياًوالولاياتالمتحدة، سيُطبَق في شكل ثابت، وأن محاولات إخراج الطرفين عن هذا المسار ستفشل». جاء ذلك بعدما أعلنت قاضية أميركية الخميس في المحكمة الفيديرالية بنيويورك التي مثل أمامها «الجواسيس» العشرة، قرار «طردهم على الفور من الولاياتالمتحدة» بعد إقرارهم بذنبهم. وقالت انهم «وافقوا على أنهم لن يحاولوا العودة أبداً» الى الولاياتالمتحدة. في المقابل، وقّع ميدفيديف مرسوم عفو عن أربعة روس كانوا يقضون أحكاماً بالسجن لفترات طويلة في بلادهم، بتهمة التجسس لحساب الغرب. والأربعة هم إيغور سوتياغين والكسندر زابوروجسكي وغينادي فاسيلينكو وسيرغي سكريبال. وفور الإعلان عن إتمام العملية، قال النائب الروسي نيكولاي كوفاليوف، المدير السابق لهيئة الأمن الفيديرالية، إن «الأربعة حصلوا على عفو رئاسي، ما يعني انهم لن يُلاحقوا من الأجهزة الأمنية ويمكنهم العودة في أي وقت الى وطنهم» روسيا. وقال مسؤول روسي إن ما جعل عملية التبادل «ممكنة هي الروح الجديدة التي تطبع العلاقات الروسية - الأميركية والمستوى العالي من التفاهم الثنائي والثقة بين رئيسي البلدين، والتي لن يتمكن أحد من تدميرها». ولفت خبراء روس الى ما وصفوه بأنه «أسرع عملية في تاريخ علاقات البلدين تستهدف إغلاق ملف تجسس». ومعلوم أن واشنطن أعلنت في 28 حزيران (يونيو) الماضي اعتقال «الجواسيس» العشرة الذين مثلوا أمام محكمة ووُجهت إليهم اتهامات رسمية. واستغرقت القضية كلها أقل من أسبوعين لإغلاق الملف وطي صفحته نهائياً، وعزا خبراء هذا التحرك السريع الى حرص موسكو على تقليص حجم المعلومات التي قد تُنشر عن القضية، خصوصاً بسبب توافر معلومات مهمة بحوزة الجواسيس الروس الذين اتُهم تسعة منهم رسمياً ب «تبييض أموال». وقال المحلل السياسي فيتشيسلاف نيكونوف إن هذا القرار يدل، بالدرجة الأولى، على أن الطرفين لا يريدان إفساد العلاقات التي أعاد أوباما وميدفيديف إطلاقها، بسبب «فضيحة التجسس». لكن التبادل قد يعزز اتهامات الجمهوريين لأوباما بالتساهل مع موسكو، خصوصاً أن ثمة «جاسوساً» مهماً آخر لموسكو في الشبكة ذاتها، يُدعى كريستوفر ميتسوس ويحمل الجنسية الكندية، اختفى في قبرص بعد توقيفه بموجب مذكرة اعتقال أصدرته الشرطة الدولية (الانتربول). والمفارقة أن صفقة تبادل الجواسيس بين موسكووواشنطن، تزامنت مع إعلان وفاة الجاسوس الروسي السابق سيرغي تريتياكوف الذي انشق إلى الولاياتالمتحدة العام 2000. وكان تريتياكوف نائب رئيس الاستخبارات في البعثة الروسية لدى الأممالمتحدة في نيويورك بين 1995 و2000.