يشكّل التسرب النفطي في خليج المكسيك تهديداً لسياسة الرئيس باراك أوباما الذي حاول أن يرسم سياسة طاقة متوازنة ما بين الشركات النفطية وجمعيات حماية البيئة، وذلك من خلال فتح مناطق جديدة في شرق الساحل الأميركي وفي خليج المكسيك ذاته للاستكشاف والتنقيب. وهدف الإدارة الأميركية هو الاعتماد اكثر على الإنتاج النفطي المحلي لتقليص الاعتماد على النفط المستورد. لكن التسرب الحاصل في خليج المكسيك حالياً سيثير النقاش مرة أخرى، وبحدة، ما بين الصناعة النفطية الأميركية ودعاة حماية البيئة. نتج الحادث عن انفجار في منصة «دييب واتر هورايزون» العاملة في بئر استكشافي تابع لشركة «بي بي» البريطانية. ووقع انفجار أول في المنصة في 20 نيسان (أبريل)، نتج عنه التسرب وحريق، كما حصل انفجار ثانٍ بعد يومين. ونتج عن هذه الحوادث مقتل 11 شخصاً من مجموع 126 عاملاً على المنصة. وتبين أن معدات احتواء الانفجارات أخفقت في العمل بنجاح. وتقع المنصة في مياه عميقة، نحو خمسة آلاف قدم تحت سطح الماء، ونحو 40 ميلاً عن ساحل لويزيانا. وتشير المعلومات الرسمية إلى تسرب نحو خمسة آلاف برميل يومياً من النفط الخام، إلا أن هناك تقارير تشير إلى أن معدل التسرب اكثر من ذلك بنحو أربع أو خمس مرات. لكن مهما كان المعدل، اعتبرت الحكومة الأميركية البقعة النفطية الناجمة عن الحادث «كارثة وطنية» وبدأت دعاوى التعويض تطالب شركة «بي بي» بتحمل المسؤولية القانونية الناجمة عن الخسائر، والتي تقدر ببلايين الدولارات. ووصلت البقعة إلى منطقة بيئية مهمة، قريبة من مصب نهر الميسيسيبي في خليج المكسيك، حيث الطيور المائية ومزارع السمك والقريدس. لكن إضافة إلى الخسائر البشرية والبيئية للحادث، يُتوقع أن تكون هناك ردود فعل صناعية نفطية مهمة له، خصوصاً من قبل الحكومة الأميركية. ووقع الحادث في وقت تُراجَع فيه سياسة الطاقة عموماً في الولاياتالمتحدة، ومنها سياسة الإنتاج البحري، إذ كان مقرراً أن يقدم أوباما إلى الكونغرس خطته الخمسية (2012 - 2017) للإنتاج من المناطق البحرية، ويُتوقَّع تأجيلها الآن، على ضوء هذا الحادث. لكن على رغم كل هذه التطورات، أكد أوباما أن «الإنتاج المحلي الأميركي» هو ضرورة مهمة «للأمن الوطني الأميركي» ما يعني الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية للعثور على احتياطات نفطية جديدة، خصوصاً في المناطق المغمورة، حيث احتمالات الاستكشاف أكثر بكثير من مناطق اليابسة. لكن في الوقت ذاته لا تستطيع الإدارة الأميركية أن تصرف النظر عن هذه «الكارثة الوطنية» والنقاش الواسع الدائر حول سياسات البيئة والطاقة وإنتاج النفط، خصوصاً من خليج المكسيك ذاته. طلب أوباما إجراء مراجعة تنتهي خلال شهر حول كيفية وقوع الحادث، والنتائج المترتبة عليه. وأكد أهمية إنتاج النفط المحلي لأنه من ضرورات «الأمن الوطني الأميركي». هذا، إضافة إلى استنفار جهود المؤسسة العسكرية والجهات العلمية والوزارات المختصة لتقليص الآثار البيئية الناتجة عن البقعة، التي يمكن أن يؤدي التلوث منها إلى إغلاق العديد من منصات الإنتاج في خليج المكسيك (يقع نحو 10 في المئة من إنتاج خليج المكسيك شمال المنصة، ومن ثم فإن منصات الإنتاج في هذه الحقول ستكون معرضة للتلوث والتوقف). كذلك يقع ميناء لويزيانا البحري النفطي غرب منطقة الحادث، وإذا لم يوقَف وصول البقعة إلى منطقة الميناء، ستؤثر سلباً في نحو مليون برميل يومياً من النفط تستوردها الولاياتالمتحدة، ما سيؤثر في ميزان العرض والطلب على النفط في الولاياتالمتحدة، وقد يؤدي إلى ارتفاع إضافي في الأسعار. * كاتب متخصص في أمور الطاقة