من مجمل التجاذبات الجارية بين إدارة أوباما وحكومة نتانياهو يمكن الاستنتاج أن ثمة خلافاً حقيقياً في وجهات النظر يبن الطرفين، في مفهوم كل منهما لأمنه القومي، وفي شأن تحديد أولوية السياسة الشرق أوسطية. وبينما تعتبر إدارة اوباما أن حل الصراع العربي الإسرائيلي بات يشكل جزءاً من أمنها القومي، باعتباره يسهّل لها حل الأزمات الأخرى، من أفغانستان وباكستان إلى العراق ولبنان، ويسهم في تعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، تصر إسرائيل على تقويض سعي إيران للحصول على قنبلة نووية، وتحجيم نفوذها في المنطقة، لا سيما في العراق، باعتبار إيران خطراً على أمن اسرائيل ووجودها في المنطقة. ومشكلة إسرائيل أنها تروّج لادعاءات قديمة ثبت عقمها في السنوات العشر الماضية، ومفادها الفصل بين أزمات المنطقة، وعدم وجود صلة بينها وبين قضية فلسطين، للتغطية على انكشاف وضعها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، والتشويش على اعتبارها عبئاً على الدول الغربية الكبرى الراعية لها (وبخاصة الولاياتالمتحدة)، إزاء الرأي العام العالمي. ويوضح يورام بيري رئيس معهد البحوث الإسرائيلية في جامعة ميريلاند التغير في الموقف الأميركي بالتالي: «اوباما وفريقه يولون أهمية كبرى لإقامة دولة فلسطينية. وبحسب بن كاسبيت فإن هذا التغير ليس جديداً، وإنما يتصل بوثيقة بيكر – هاملتون (2006)، التي اعتبرت أن الولاياتالمتحدة لا تستطيع تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط من دون تسوية النزاع الإسرائيلي – العربي. والمصالح الأميركية الأشد حساسية متعلقة بذلك»، الأمر الذي يدفع الى طرح السؤال: «أأنتم معنا أيها الإسرائيليون الأعزاء أم علينا». («معاريف» - 26/3 الماضي). المشكلة الأخرى لإسرائيل أنها تقف في مواجهة إدارة مختلفة، لا تجامل، ومثقلة بتركة جورج بوش (من العراق الى أفغانستان)، وتختزن تجربة عقدين من المفاوضات والتملصات الإسرائيلية، وقد اختبرت أن محاباة إسرائيل تؤثّر سلباً على هيبة الولاياتالمتحدة وعلى مكانتها في المنطقة العربية. هكذا، لم يعد غريباً سماع عبارات من نوع أن «اوباما ملّ لعبة الوقت» («معاريف» - 25/3). كما لم يعد غريباً وصف زيارة نتانياهو لواشنطن بالعبارات التالية: «بيبي حصل في البيت الأبيض على معاملة رئيس غينيا المنبوذة. دخل وخرج تقريباً بالسر. كمين أوباما اعدّ بعناية ونفّذ بدقة فتاكة. هيلاري كلينتون أعدت الأرضية، بايدن شدد التلميحات، وبعد ذلك جاء الرئيس وحطم الأواني. العرَق الذي تراكم في السفارة الإسرائيلية في واشنطن (حيث عقد نتانياهو وايهود باراك اجتماعاً مغلقاً بينهما) يسمح على الأقل بحل أزمة المياه في إسرائيل». (بن كاسبيت في «معاريف» 25/3). مشكلة إسرائيل، أيضاً، أنها تقف اليوم في مواجهة إجماع غير مسبوق في الإدارة الأميركية، لا يقتصر على المستوى السياسي، وإنما يشمل المستوى العسكري أيضاً، باعتبار أن سياسات حكومة نتانياهو، المتمثلة بإعاقة عملية التسوية والاستيطان وتهويد القدس، تضرّ بمكانة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، وبجهودها للجم الطموحات النووية لإيران، ما يضع امن اميركا القومي في دائرة الخطر. هكذا فإن الرئيس اوباما ونائبه بايدن، ومستشاره للأمن القومي جونز، ووزير الدفاع غيتس، ورئيس أركان القوات المشتركة الأميرال مولن، وقائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال بترايوس، باتوا يقرّون بأن عملية التسوية شرط لا بد منه لتحسين مكانة أميركا، وتحجيم إيران، وجلب الأمن والاستقرار الى المنطقة، وإلى إسرائيل ذاتها.فوق ما تقدم ثمة تخوفات في إسرائيل من قيام إدارة أوباما بطرح خطة للتسوية لفرضها على الأطراف المعنية (على خلاف ما تريد إسرائيل) بالتعاون مع أطراف اللجنة الرباعية، وذلك في حال لم يتلقّ الرئيس الأميركي أجوبة على قائمة التساؤلات التي طرحها على نتانياهو إبان زيارته الأخيرة لواشنطن. ولعل كل ذلك يشرح خلفية الضغط الأميركي على إسرائيل، والذي شبهه جدعون ليفي بعملية «فطام»، صعبة ومؤلمة، فطالما «لن يأتي تغيير من داخل إسرائيل يجب على أميركا أن تقرر إلى أين تتجه، وإلى أين تريد أن تقود إسرائيل والشرق الأوسط والعالم. لا يدور الحديث عن مستقبل 1600 وحدة سكنية بل عن مستقبل إسرائيل، عن ضغط على إسرائيل لبدء الانطواء في حدودها». («هآرتس»، 18/3) هكذا، وكما قدمنا، فإن التجاذب الإسرائيلي الأميركي يتمحور في هذه المرحلة حول أولوية السياسة الشرق أوسطية بين إيرانوفلسطين، لاسيما أن إدارة اوباما تتحسّب للتداعيات التي قد تنجم عن انسحابها من العراق، وضمن ذلك «خطر السيطرة الإيرانية على العراق»، وتهديد دول الخليج. وبحسب يوئيل ماركوس فإن هذا الوضع بالذات هو الذي يدفع الإدارة الأميركية الى مطالبة إسرائيل: «انتم تريدون مساعدتنا في إيران؟ تعهدوا بتسوية مع الفلسطينيين». («هآرتس»، 26/3). الآن وبمعزل عن وجاهة هكذا مقايضة من عدمها، فإن ضعف التيقّن من نتائجها وتداعياتها، يتطلب استعادة فاعلية النظام العربي (أو بعضاً منها)، وتعزيز الحوار مع الأطراف الإقليمية، وضمنها تركيا وإيران، باتجاه تغيير هذه المعادلة /المقايضة، يما يخدم تحجيم إسرائيل وصون المصالح العربية والاستقرار الإقليمي. وطالما أن إيران باتت بمثابة حجر الزاوية في التفاعلات الدولية والإقليمية، في الشرق الأوسط، فهي مطالبة (أكثر من غيرها) بالمبادرة لتوليد معادلة جديدة، تتأسس على استثمار وضعها الراهن، بإبداء الاستعداد للتعاون مع المجتمع الدولي في ملفها النووي، في مقابل فرض حظر انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط (بما يشمل إسرائيل)، وإنهاء احتلال إسرائيل للضفة والقطاع. ولا شك في أن هكذا معادلة ربما تسهّل على إيران نزع مبررات تشديد الحصار عليها، وتعزّز مكانتها الإقليمية والدولية، كما من شأن هكذا معادلة تهدئة المخاوف من سياساتها في المنطقة (والتي لجمت مشروع عمرو موسى في شأن الحوار مع دول الجوار في مؤتمر القمة)، ما يعود بالفائدة على ايران أولاً، وعلى العرب، وعلى الإقليم الشرق أوسطي كله، من دون الانتقاص من حق إيران وغيرها في الحصول على طاقة نووية للأغراض السلمية. * كاتب فلسطيني