طرحت مسرحية «8 بنات» من إخراج وكتابة لانا ناصر، التي قُدمت على «مسرح البلد» في عمّان، رسائل اجتماعية حسّاسة تضيء على واقع المرأة الشرقية في شكل عام، وخصوصاً المرأة العربية. تتحرك المسرحية التي عُرضت أكثر من مرة، ضمن فضاء دلالي بثَّ رسائلها تأسيساً على عناصر جمالية وواقعية ورمزية واستعراضية. وتستثمر فيها لانا ناصر الموروث الشعبي الذي حضرَ عبر «خيال الظل»، مستخدمة أسلوب الحوارات القريب من تقنية الحكواتي القائمة على استلال الحكايات الواحدة من الأخرى. المسرحية التي قدمها تجمع «آت» الفني لمناسبة يوم المرأة العالمي وعيد الأم، وحضرها عدد كبير من افراد الجالية الأجنبية في عمّان، هي نتاج ورشة عمل جمعت الفنانات المشاركات، وتناولت ما يمكن أن تصطدم به «كينونة» المرأة في المجتمع الشرقي إذا ما سعت لتحقيق ذاتها الإنسانية التائقة للحياة والانفلات من القيود. وجاءت أولى الصدامات مع نفسها التي تكاد تتشظى بفعل التراكمات الاجتماعية التي تحد من حيويتها، والمشكلات التي تواجهها في تعاطيها مع محيطها وهي تبحث عن موطئ قدم لها، بحسب أبنية العرض السطحية والمضمرة. اتكأ الإخراج في تجسيد الفضاء الدلالي على جماليات «خيال الظل»، وعذوبة الغناء، خصوصاً صوت السوبرانو ديمة بواب ونادين شهوان، وبراعة الأداء الراقص ل لانا ناصر وإظهارها براعة في لغة الجسد، وأنغام العزف الحي على البيانو لزينة عصفور، وإردا إبراهيموف في أدائها على آلة ال «هارب». ظهرت مفردة المرآة، المتموضعة في بؤرة المسرح، دلالة رمزية مركزية، في هذا الفضاء المتشكّل من علامات سمعية ومرئية غنية، والذي لم يخلُ من إثارة ومتعة مشهدية أخاذَتَين، فضلاً عن حرص الرؤية الإخراجية على إيجاد منافذ وسط المسرح، وعلى طرفيه، لدخول المؤديات وخروجهن بيسر وسهولة، ما خدم الأداء العام للعرض. رصد البناء السطحي واقع المرأة كضحية معزولة، منذ لحظة ولادتها، مروراً بمراحلها العمرية لاحقاً، بخاصة في علاقاتها العاطفية مع الآخر. وأظهر البناء العميق المرأة كائناً منهوباً ومقصياً عن الحياة السوية، إذ تُنتهك أغوار عوالمها النفسية، وهي تحاول أن تطرح المعنى المسكوت عنه عبر الثالوث المحرم، في سياقات مضمرة. وعلى رغم المعمار الإبهاري الذي تواصل معه المتلقي بصرياً وسمعياً، وكشفَ عن تمكُّن ليس بالقليل في خلق رؤى جمالية، جسدتها المقترحات الإخراجية في المشاهد واللوحات المتعاقبة، إلا أن المتن النصي اعتورته تفاصيل تعسفية، لجهة رسائله، بخاصة تناول قضية فصل المرأة عضوياً عن مجتمعها، والتعامل معها كأنها كائن قادم من فضاء آخر، بعيد ومغاير، فضلاً عن أطروحات حول سيادة فكرة الرجل، والذكورة. هذا التناول لم يربط واقع المرأة بعلاقتها بالقوى الإنتاجية السائدة، وجاء بعيداً من الواقع الفعلي لها، ذلك أن القوى الاجتماعية والسياسية تحيل المرأة والرجل معاً إلى ضحايا، وقريباً من نظرة الاستشراق، والفرنكوفونية، بخاصة ما أبرزته المشاهد من فكرة التطيُّر والتشاؤم عند ولادة الأنثى. يُضاف إلى ذلك تلك الصورة ل «مجتمع الحريم» ونظرة الرجل له، وهو ما أظهره سياق الأداء الحواري ببراعة، لمعنى: الخِل، الشوق، الصبابة، البوح، الوجد، والأشواق الحبيسة في أعماق النفس، وليس انتهاء ببعض أشعار المتصوفة، من مثل: «وإذا أبصرته... أبصرني»، والتطرق الى هذا المعنى بتوظيف حكاية قيس وليلى التاريخية.