وصل الاحتلال ربما إلى الفصل الأخير في معركة أسرلة القدس وتهويدها، فالهجمة بدأت تتكثف وتأخذ أبعاداً شمولية، وهي تطاول كل ما يتعلق بحياة المقدسيين ووجودهم في المدينة، فلا الثقافة ولا التراث ولا المقدسات ولا الهوية ولا البشر والحجر ولا الشجر خارج إطار الإستهداف. تتحدث الأنباء عن خطة إسرائيلية جاهزة للتنفيذ، جرت عملية جس نبض لرد الفعل الفلسطيني من خلال عملية استدعاء قامت بها البلدية لعدد من التجار المقدسيين، تحت حجج وذرائع القيام بعملية صيانة وترميمات في البلدة القديمة، وتقوم الخطة على إغلاق البلدة القديمة مدة عامين، على أن يترافق ذلك مع هدم عدد من المحلات التجارية في باب العمود، وتقوم الخطة على أساس تعويض التجار عن عملية الإغلاق بواقع خمسة آلاف شيكل شهرياً لكل تاجر عن محله المغلق، وهذا يعني إجبار التجار على هجر محلاتهم التجارية والانتقال بمركز حياتهم إلى خارج القدس، فبهذه الطريقة تتخلص إسرائيل من عشرات آلاف المقدسيين، فالاحتلال يدرك جيداً، أنه على رغم البلايين التي صرفت على أسرلة وتهويد القدس فقد فشلت في الاستيلاء على المدينة من الداخل. والمسألة هنا ليست قصراً على هدم المنازل والاستيلاء على البيوت وإقامة المستوطنات والحفريات والأنفاق، بل المسألة تأخذ أشكال التطهير العرقي ومحو كل مظاهر الوجود العربي في المدينة، فالاحتلال يعمل على تهويد أسماء الشوارع العربية وعبرنتها، كما أن المرحلة المقبلة ستشهد فرض موضوعات يهودية على المناهج الدراسية الفلسطينية، كما حصل في مناطق 1948، ومسألة تكميم الأفواه ومنع حرية الرأي والتعبير، الأنشطة ليس فقط السياسية والوطنية، بل الأنشطة ذات الطابع والبعدين الاجتماعي والإغاثي، ففي أكثر من مرة منعت المخيمات الصيفية للأطفال والمعسكرات الترويحية، كما منعت الإفطارات الجماعية في شهر رمضان والحفلات المدرسية وغيرها. إن ما يدمي قلوب المقدسيين ويزيد من إحباطهم وفقدانهم للثقة بالسلطة الفلسطينية وتشكيلاتها وعناوينها ومرجعياتها، هو انشغال تلك العناوين والمرجعيات، في مناكفات ومعارك داخلية على الصلاحيات والنفوذ، ومن دون أية مساعدات وخدمات حقيقية للسكان لتعزيز صمودهم، فالحديث يجري عن عشرة ملايين دولار صرفت العام الماضي في القدس من قبل السلطة الفلسطينية، 50 في المئة منها رواتب ومصاريف إدارية، ناهيك عما صرف لاحتفالات القدس عاصمة الثقافة العربية، وبالمقابل بلدية القدس تخصص 70 مليون شيكل فقط لهدم منازل المقدسيين المشيدة من دون ترخيص. إذا بقيت ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية على ما تقوم به إسرائيل في القدس من إجراءات وممارسات وأفعال، تغير جذرياً جغرافية وديموغرافية وهوية وتراث وتاريخ وحضارة المدينة، في إطار بيانات التنديد والاستنكار والشعارات و «الهوبرات» الإعلامية، فإن المدينة على أبواب الفصول الأخيرة من الأسرلة والتهويد.