نشرت إحدى الصحف المصرية المستقلة تصريحا منسوبا لمدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو معهد بحثي أمريكي بارز، يطالب فيه الرئيس باراك أوباما "بتحذير الناخب المصري من تأييد بعض القوى السياسية، التي تناصب الولاياتالمتحدة العداء". والقوى المقصودة هي بالطبع القوى الإسلامية، التي هي جزء أصيل من مكونات المجتمع المصري، وأضاف مدير المعهد: "عليه (أي أوباما) أن يذكر المصريين بأن خياراتهم لها عواقب"، وتوقع أن تتراوح نتائج الانتخابات المصرية بين السيئ والأسوأ، فالقوى الليبرالية لن تحصل على الأغلبية، وهذا التصريح هو تدخل غير مقبول في الشأن الداخلي المصري، اعتادت الغطرسة الأمريكية على فعله دون حياء، وهو في نفس الوقت تهديد صريح يمس سيادتنا الوطنية لا يمكن قبوله. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل حقا تريد الإدارة الأمريكية تحقيق الديمقراطية في مصر؟ وهل تؤمن بالفعل بحق الشعب المصري أو أي شعب عربي آخر، في أن يمارس حريته ويمتلك قراره وإرادته، وأن يقيم مؤسساته على أساس ديمقراطي؟ وهل صحيح أن السياسة الأمريكية في المنطقة العربية تؤمن بأن حرية الشعوب هي أساس الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة؟ أعتقد أن الإجابة واضحة لكل ذي عينين وبصيرة، ولا تحتاج إلى جهد كبير كي ندرك أنها تريد العكس تماما. والدليل أن الإدارة الأمريكية في عهودها المختلفة هي التي دعمت النظام السابق بكل قوة وإصرار طوال ثلاثين عاما، مارس فيها القهر والاستبداد والفساد، وهي تعلم تماما أنه يذيق شعبه الظلم والهوان، ولكن ماذا يضير الأمريكان من هوان المصريين، طالما أن مصالحهم مصانة، وصنيعتهم إسرائيل في حماية النظام البائد؟! حتى عندما بدأت ثورة الشعب المصري في يناير، وقفت الإدارة الأمريكية تترقب إلى أين تسير الأمور، ولم يكن للمبادئ أي دور بل مجرد المصلحة الآنية. ثم إن تاريخ الولاياتالمتحدة مع شعوب منطقة الشرق الأوسط هو تاريخ مشين وغير مشرف، وليس أدل على ذلك من موقفها من اغتصاب فلسطين قبل ستين عاما، وإذا كانت بريطانيا هي التي زرعت هذا الكيان الصهيوني العنصري في بلادنا وفوق أرضنا، فإن الولاياتالمتحدة هي التي أمدته ولا زالت بأسباب الحياة والنمو والغطرسة، وتواصل تشريد وحصار أبناء قطاع غزة. إن الرسالة التي يجب على إدارة الرئيس الأمريكي ومراكز أبحاثه وصنع سياساته أن يدركوها جيدا، هي أن الشعوب العربية الحرة شبت عن الطوق، وقهرت حاجز الخوف، وكسرت القيد، وانتزعت حقها في الحياة الكريمة بدماء وحرية أبنائها، وليس هبة أو مكرمة أو ضغطا من أحد، ولا تملك أي قوة أو جهة أن تثنيها عن طريقها، وإذا كان من حق الإدارة الأمريكية أن تبحث عن مصالح شعبها بالطريقة التي تراها، فإن من حقنا أيضا أن نعرف من هم أصدقاؤنا ومن هم خصومنا. على الأمريكان أن يدركوا أن مصر بعد الثورة المجيدة تغيرت، وامتلكت حريتها وسيادتها وكرامتها، ولم تعد تقبل أن تتلقى الأوامر أو التوجيهات من أحد، وإذا أرادت الولاياتالمتحدة أن تقيم علاقات طبيعية معنا فعليها ألا تتدخل مطلقا في شؤوننا الداخلية، وأن تحترم تماما اختيارات شعبنا. سوف تنتصر الديمقراطية في مصر، رغم أنف الإدارة الأمريكية وسياستها العرجاء في المنطقة العربية، وسوف يستعيد الشعب المصري حريته ويسترد قراره، وسوف يصنع تاريخه ومستقبله بإرادته الحرة، وكفاحه المستمر من أجل حاضر أفضل، ومستقبل أكثر ازدهارا.