"إما أن تأمر أحد رجالك بانتزاع رأسي من بين كتفي فأستريح من هذه الحياة، وإما أن تنهض من توّك فلا تخرج من منزل شيخ الكويت إلا بوعد في تسهيل خروجي للقتال في بطن نجد".. هذه العبارة التي رواها الزركلي في كتابه "شبه الجزيرة العربية" حيث قالها الملك المؤسس لوالده أثناء وجوده في الكويت حين عزم لاسترداد حكمه آبائه. وانطلق الشاب عبدالعزيز من الكويت برفقة رجاله الأوفياء متسلحاً بالإيمان والعزيمة والإصرار، وفي واحة يبرين على أطراف الربع الخالي والتي مكث فيها ما يقارب خمسين يوماً أعد الخطة لانطلاق أولى مراحل بناء المملكة العربية السعودية وهي استرداد الرياض وذلك في العام 1319ه. ومكث الملك عبدالعزيز ورجاله في وسط الربع الخالي شهر شعبان وحتى عشرين رمضان، ثم اتجه إلى الرياض ووصل ليلة الثالث من شهر شوال إلى منطقة تعرف "أبو جفان"، وهو بئر يرِده المسافرون على الإبل بالقرب من مدينة الرياض، ثم تحركوا في اليوم التالي باتجاه الرياض وذلك في رابع أيام عيد الفطر المبارك من العام 1319ه. وحين اقترب من هدفه قسّم المؤسس رجاله إلى ثلاث مجموعات؛ أبقى المجموعة الأولى عند الإبل والأمتعة لحراستها باعتبارها قوة جاهزة في حال الحاجة لها وقد حدد لهم وقتاً إذا حل ولم يرد لهم علم منه فعليهم الاتجاه إلى الكويت يحملون رسالة النعي لوالده الإمام عبدالرحمن، فيما أبقى المجموعة الثانية بقيادة أخيه الأمير محمد ومعه ثلاثة وثلاثون رجلاً في بستان قرب بوابة الظهيرة، ثم تسلل الملك المؤسس بالمجموعة الثالثة للوصول إلى بيت عامل ابن رشيد عجلان. كانت خطة الملك عبدالعزيز مبنية على مهاجمة عجلان في منزله دون أن يتعرض الأهالي في المدينة إلى أي أذى، إلا أن الملك عبدالعزيز فوجئ عندما علم أن عجلان يبيت في حصن المصمك ولا يخرج منه إلا في الصباح، عندها أرسل الملك عبدالعزيز في طلب أخيه والرجال الذين كانوا معه للتشاور فيما يمكن عمله فتسللوا إلى بيت عجلان، واجتمع الملك ورجاله للتشاور في تنفيذ خطة هجوم على المصمك، حيث يبيت عجلان، وقد تمكنوا من ذلك، ثم نودي بأن الحكم لله ثم لعبدالعزيز، وقد استقبله أهل الرياض مبايعين فرحين بعودته، ثم انطلق بعد ذلك الملك عبدالعزيز آل سعود لتوحيد المملكة العربية السعودية على مبادئ الشريعة السمحة. الأثر العظيم عن الحدث التاريخي يقول المستشار التعليمي والتربوي محمد العامري ل"سبق": لقد حكم -رحمه الله- ثلاثة وخمسين عاماً، ولم تكن مدة حكمه مجرد زمن يقاس به الحكم والسلطان والملك فحسب، ولكنه كان زمناً لقيام الملك والمملكة، ولتوحيد دولة فرقتها الحروب والنزاعات القبلية، وللتصدي لقوى داخلية وخارجية في سعيها إِلى الوقوف ضده، وكذلك لبدء نهضة عامة للمملكة، نقلتها من البداوة إلى الحضارة، ومن التخلف المادي والفكري إِلى التقدم العلمي والحضاري، وجعلت مكانها في عالمها العربي والإِسلامي مكافئاً ومساوياً لقدرها الحقيقي، مبيناً أن حياته تمثل ملحمة من الكفاح والنضال". وتابع: "إِذا كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قد نجح في توحيد المملكة تحت راية التوحيد، وأقام مملكة ينظر إِليها المسلمون باعتبارها نموذجاً صحيحاً للدولة الإِسلامية المعاصرة، فإِن ذلك النجاح لم يأت طفرة في حياة الملك عبدالعزيز، بل سبقه من الجهد والجهاد ما ينبغي أن يُعرف للأجيال الحاضرة، والقادمة من شباب الأمة الإِسلامية كلها. وأضاف: "ومن مجموعة ما تميز به الملك، من الإيمان بالله والثقة به، والتوكل عليه، ومن الهمة العالية والأخلاق السامية، التي ظلت توجه سلوكه في المواقف كلها يتبين لنا أن الرجل كان أمة في مواهبه وخصائصه، وفي حياة الملك اليومية، يقول عبدالحميد الخطيب (كتاب الإمام العادل): إِن الملك كان يستيقظ من نومه كل يوم قبيل صلاة الفجر، فيبدأ عمله بالتوجه إِلى الله، وتلاوة القرآن، وإِقامة الصلاة، ويقول: إِن لسانه كان دائماً رطباً بذكر الله فيِ جميع الأوقات، فيكثر من حمده في السراء والضراء، لا يكتب خطاباً لأحد من الناس إِلا بدأه بذكر الله، وبشكره على جليل نعمه وفقا لسبق.