تتجه اليابان نحو انتخابات محورية، وهي في حالة من التدهور السريع. فالاقتصاد الياباني الذي يشهد ركودا منذ أوائل تسعينات القرن الماضي انهار بالكامل في الربع الأخير من هذا العام، منخفضا بنسبة 15.2 بالمائة في أسوأ انهيار لأي بلد صناعي منذ عقود. والشركات المصنعة للسيارات ذ اتويوتاب وبنيسانب وبهوندا»، التي كانت محور المعجزة الصناعية اليابانية ذ شهدت تراجع صادراتها بنسبة 70 بالمائة في أبريل، وأجبرت على إغلاق مصانعها لبيع مخزونها من السيارات. ولأن المسائل المالية تحدد نتائج الانتخابات، فإن من غير المفاجئ أن الناخبين اليابانيين يبدون مهيئين لإبعاد الحزب الليبرالي الديموقراطي الحاكم، وهي المرة الثانية فقط التي سيخسر فيها السلطة منذ نصف قرن. في الوقت نفسه، تتحدى الصين بشكل مباشر موقع اليابان باعتبارها الاقتصاد الرئيسي في آسيا. لقد أطلقت بكين أخيرا حملة رسمية لإنشاء قطاع تصنيع سيارات مراعية للبيئة، وهو قطاع لا تزال اليابان تحتل موقعا رياديا فيه. بعض مراقبي اليابان يشبهون مشروع الصين لصناعة سيارات مراعية للبيئة بقمر سبوتنيك الصناعي السوفييتي الذي تفوق على التقدم الأمريكي في العلوم والتكنولوجيا في خمسينات القرن الماضي. الأمر المقلق بالقدر نفسه هو أن الصين تطالب باستبدال الدولار باعتباره عملة الاحتياطي الدولي الوحيدة، وبدأت تعقد اتفاقيات مالية في المنطقة باليوان الصيني بدلا من الدولار، وهي خطوة يعتبرها المسؤولون اليابانيون تهديدا مباشرا للين أيضا. القد أبرز ذلك أن الين لا يستعمل بهذه الطريقة من قبل الآخرين»، كما يشير ياسوو أوتا، وهو كاتب في صحيفة نيكي. وتنامت مشاعر القلق في يوليو عندما سافر بعض كبار المسؤولين الصينيين إلى واشنطن العاصمة لمتابعة احوارهم الاستراتيجيب العالي المستوى. يقول شينزو كوبوري من معهد الدراسات السياسية الدولية في طوكيو: اهذا أثار القلق، لأن اليابانيين شعروا بأنهم بحاجة للمشاركة في أي حوار يتعلق بأمن المنطقةب. لذا تستعد اليابان لاستقبال حكومة جديدة وسط مخاوف من أن يكون البلد قد أصبح متخلفا سياسيا واقتصاديا ويحتل المرتبة الثانية بعد الصين بشكل سابق لأوانه. لقد حصل كل ذلك بسرعة. في بداية هذا العقد، كان حجم الاقتصاد الياباني لا يزال يوازي أربعة أضعاف حجم الاقتصاد الصيني، لكن في السنوات الأخيرة، بدت الصين مستعدة لتخطي اليابان بحلول عام 2010 أو بعده بقليل. الآن، فيما لا تزال الصين تنمو بنسبة 8 بالمائة سنويا والاقتصاد الياباني يتقلص، اضطر المعلقون في اليابان إلى الاعتراف بأن التفوق الصيني قد يحصل في وقت أبكر. يقول كوبوري، معبرا عن مشاعر غيره من الأكاديميين والكتاب والمفكرين وحتى السياسيين الأصغر سنا في اليابان: امن غير المجدي أن الاستمرار في الكلام عن منافسة الصين [لاحتلال الموقع القيادي الوحيد في آسيا] في حين أن اقتصادها سيتخطى اقتصادنا بحلول العام المقبلب. وثمة إجماع متزايد، ولو على مضض، بأن اليابان ستضطر إلى إيجاد دور جديد تلعبه. منذ اتجدد ميجي» تفجر الإبداع الياباني والإصلاحات التي جرت في ستينات القرن ال 19 وحتى الآن، كان لليابان اهدف أساسي واحد: وهو مجاراة الغرب وأن يتم القبول بها كقوة عظمى. لقد حققت ذلك في ثمانينات القرن الماضي لكنها لم تستطع متابعة مسيرتها. اليابان اليوم بلد متعب»، كما يقول جيرالد كورتيس، وهو أستاذ في جامعة كولومبيا وخبير في الشؤون اليابانية. من الواضح أن المقاربة القديمة العمل بجهد والادخار لتمويل الصادرات إلى الغرب لم تعد مجدية. (القوة المصدرة المتقدمة الأخرى، ألمانيا، تأثرت إلى حد كبير بالركود العالمي أيضا، فيما تدخل كل البلدان الاستهلاكية الغربية ما يبدو أنه فترة طويلة من النمو البطيء والطلب الضعيف). مع بروز آسيا كبمركز للاقتصاد العالمي، وكمحرك جديد لنموه، على اليابان الآن معرفة كيفية وضع نفسها في قلب هذا المركز»، كما يقول كورتيس. الحزب الديموقراطي الياباني المعارض يرى بكل وضوح أن اليابان قوة إقليمية آسيوية لم تعد مرتبطة بالغرب فقط. لقد ندد قائد الحزب الديموقراطي الياباني يوكيو هاتوياما بالإجماع العالمي القائم على السوق الحرة الذي كانت اليابان جزءا منه بكل سرور، لائما االعولمةب وبالتطرف في الاعتماد على الأسواق الحرة بقيادة الولاياتالمتحدةب على الأزمة الحالية. نظرته هذه تشكل انكفاء نحو الداخل، يعزز االأخوةب الداخلية بفضل دولة رفاة أقوى ومعاشات تقاعدية وإعانات أكثر سخاء لتربية الأطفال، وإعادة تركيز لاستراتيجيات اليابان التجارية والاستثمارية على شرق آسيا. لكن الأمر المقلق هو أن بيان الحزب الديموقراطي الياباني لم يذكر حتى موضوع االنموب قبل أن يتهجم عليه الحزب الليبرالي الديموقراطي، مما يشير إلى أن الحزب الديموقراطي الياباني لا يفهم جيدا المأزق الذي يمر فيه البلد. فالمحافظة على المستوى المعيشي المريح في اليابان لن تكون ممكنة من دون نمو. لقد شبه المفكرون الأمريكيون واليابانيون موقع اليابان الجديد بموقع كندا أو سويسرا, وهما قوتان غنيتان ومكتفيتان تعلمتا كيفية الازدهار إلى جانب دول مجاورة عملاقة. المشكلة، كما يقول ريتشارد سامويلز، الخبير في الشؤون اليابانية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، هي أن الاقتداء بكندا سيكون اقفزة عميقةب مؤلمة لليابان، لأن اقتصاد كندا أصغر بثلاثة أضعاف أو أكثر، وعلاقاتها بالولاياتالمتحدة أفضل من علاقة اليابان بالصين. تاريخ هاتين القوتين الآسيويتين ممتلئ بالاضطرابات، ويعود إلى احتلال اليابان للصين في الحرب العالمية الثانية. غالبا ما يكون للبلدين مصالح مختلفة في التجارة والأمن. ولا تزال اليابان تحت حماية المظلة النووية الأمريكية في مواجهة أي تهديد محتمل مستقبلا من الصين. لقد أوحى آخرون بأن فرنسا تشكل نموذجا أكثر ملاءمة، كونها تشارك ألمانيا في قيادة كتلة إقليمية قوية. يمكن لليابان والصين أن تلعبا معا دورا مماثلا في آسيا. لقد اقترح الحزب الديموقراطي الياباني حتى تقديم إعانات للعائلات التي تضم أطفالا على الطريقة الفرنسية لرفع معدل الولادات في البلد، مما قد يعيد إحياء الديناميكية الاقتصادية التي خسرتها اليابان، كون متوسط عمر سكانها يرتفع بشكل أسرع منه في أي بلد آخر في العالم. بالطبع، تعود جذور الاتحاد الأوروبي إلى االمجتمع الأوروبي للفحم والفولاذ»، وهو تحالف فرنسي ألماني أقيم بعد الحرب العالمية لتشارك الموارد» في المقابل، لا تزال الصين واليابان تتنازعان بشأن حقوق التنقيب عن النفط في عرض البحر وتتجادلان بشأن الأعمال المشينة المرتكبة خلال الحرب العالمية الثانية. والهوة الكبيرة في متوسط الدخل السنوي 34.080 دولارا في اليابان مقارنة ب 2.000 دولار في الصين ستصعب على البلدين العمل معا كقائدين إقليميين، مثلما تفعل ألمانياوفرنسا. لكن مكاسب اعتماد استراتيجية إقليمية حازمة واضحة, فرنسا مثلا رفعت مدخولها الفردي بنسبة 42 بالمائة منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي عام 1993، ولا أحد يشك في أنها استفادت إلى حد كبير من خلال استغلال السوق المشتركة. بإمكان اليابان أن تقوم بالمثل. تتوقع شركة اغولدمان ساكسب أن تتفوق الأسواق النامية الأساسية، بقيادة الصين والهند، على مجموعة الدول الصناعية السبع من حيث الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، أي قبل عقد مما كان متوقعا. وبحلول عام 2010، ستبلغ حصة الصين من النمو الاستهلاكي العالمي 30 بالمائة، وهي حصة مذهلة تفوق حصة مجموعة الدول الثلاث وتوازي ضعفي حصة الولاياتالمتحدة. اليابان، التي ركزت اهتمامها حتى الآن على العلاقات الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة وأوروبا، بدأت تعي ببطء أنه من الأجدى بها الاستفادة من بروز الصين. النمو ضروري، سواء كان الحزب الديموقراطي الياباني يعترف بذلك أو لا. فغالبا ما يتحدث علماء الاقتصاد عن حاجة اليابان إلى تعزيز استهلاكها المحلي الذي يشهد ركودا منذ عقد للتعويض عن تضاؤل الصادرات. لكن السوق المحلية تنكمش. لقد وصل عدد السكان إلى ذروته عام 2004 عندما بلغ 128 مليونا، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 90 مليونا بحلول عام 2055. فقد تدنت نسبة الشبان اليابانيين الذين هم في سن العمل مقارنة بالشيوخ من 1:8 عام 1975 إلى نحو 1:3 عام 2005، ومن المرجح أن تنخفض إلى نحو 1.3:1 عام 2055. هذا يعني أنه اما من مقاربة فعالة لزيادة الاستهلاك المحلي [إلى الحد المطلوب]»، حسبما يقول كوبوري. لقد خصصت اليابان 5 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي لخطة التحفيز المالية، ومع ذلك لم يتحسن الوضع، في حين خصصت أمريكا 2 بالمائة، وهي الآن في طور النهوض. يقول كوبوري: اما نحتاج إليه هو مقاربة جديدة مبنية على المزيد من الاندماج الإقليمي. سنكون في مأزق إن لم نجد مقاربة كهذهب. إن رجال الأعمال اليابانيين يبحثون عن مقاربة مماثلة: خلال زيارة حديثة إلى أهم الشركات في اليابان، وجد كورتيس أن المديرين يتحدثون عن الطلب الإقليمي الآسيوي أكثر مما يتحدثون عن الطلب المحلي. يقول كورتيس: االفكرة تكمن في دمج اليابان في قلب هذه السوق االمحليةب الآسيوية الجديدة والمتنامية، ليس فقط من خلال بيع السلع للصينيين وسكان جنوب شرق آسيا من الطبقة الوسطى، بل أيضا من خلال زيادة الاستثمارات اليابانية في الشركات الآسيوية» وتحرير أسواق الواردات والصادرات بشكل أكبر لا سيما في قطاعات شديدة الانغلاق مثل الزراعة» والعمل بشكل أوثق مع الصين وغيرها من البلدان الأقل نموا في قطاعات كالبيئة والتكنولوجيا والطاقةب. في السنوات الأخيرة، ازداد التدفق التجاري إلى الصين بشكل سريع» عام 2000، كانت الصادرات اليابانية إلى الولاياتالمتحدة توازي خمسة أضعاف صادراتها إلى الصين» الآن أصبحت شبه متساوية (مع أنه تجدر الإشارة إلى أن معظم السلع التي تصدر إلى الصين هي مكونات تكنولوجية عصرية تستعمل في التصنيع وليست سلعا استهلاكية). يمكن زيادة تدفق الصادرات إذا أزالت اليابان العوائق التجارية وشجعت زيادة صادراتها من المنتجات الزراعية الفاخرة والمرتفعة الثمن مثل أرزها العالي الجودة إلى أصحاب الثروات الجديدة في آسيا، وسمحت لربات المنازل اليابانيات المتقشفات بشراء المزيد من المأكولات الصينية الأرخص والمنتجة بكميات كبيرة. وفي النهاية، سترتفع معدلات الاتجار بالسلع الاستهلاكية أيضا. لقد بدأ المصنعون يركزون المزيد من الأبحاث ويخصصون المزيد من الأموال لتسويق منتجاتهم للمستهلكين الآسيويين بدلا من المستهلكين الغربيين، من أجل تعزيز الصادرات الإقليمية من السيارات اليابانية والمنتجات الاستهلاكية الفاخرة. وسياسة الحزب الديموقراطي الياباني تطالب بزيادة الإعانات لتطوير آسيا من أجل المساهمة في دعم المستهلكين من الطبقة الوسطى. في مجالات أخرى، لا تزال اليابان مرتبطة بالغرب إلى حد كبير. فهي من بين البلدان الأربعة الأكثر استثمارا في الصين، لكنها لا تزال ترسل نحو ثلاثة أضعاف هذه الاستثمارات إلى مصانع وشركات في الولاياتالمتحدة. يقول الخبراء إن اليابان تصنف الصين على أنها مصدر خارجي للخدمات الرخيصة، وهي تخاف بشكل خاص من سرقة الملكية الفكرية في الصين لأن المصنعين اليابانيين ذوي التكاليف المرتفعة نسبيا قد يخسرون كل ما يملكون إن سرقت أفكارهم. اعتماد سبل حمائية أكثر صرامة ضد قراصنة الملكية الفكرية قد يؤدي إلى شتى أنواع التعاون، وقد يجعل حتى من اليابان والصين مركزا رائدا لتصنيع السيارات المراعية للبيئة في العالم، كما يقول محللو السوق اليابانية. إقامة روابط أوثق مع الصين تتطلب بعض الثقة. وثمة مؤشرات إيجابية على ذلك. لقد قال قادة الحزب الديموقراطي الياباني إنهم سيتوقفون عن زيارة معبد ياسوكوني، وهو مصدر نزاع لأن مجرمي حرب يابانيين دفنوا هناك بجوار جنود عاديين في الحرب العالمية الثانية. وقد أبرم البلدان أخيرا اتفاقية لتعزيز الاحتياطي الآسيوي من العملات, خصصت بموجبها مبالغ متساوية من احتياطي العملات بالين واليوان، مما يثبت وجود تعهد مشترك لمصلحة آسيا. بيتر بيتري، وهو شريك كبير في مركز الشرق والغرب في هونولولو، يصف هذه الاتفاقية بأنها احدث مهم جداب مفاده أننا امتكاتفون،ومع أن الصين ستكون الاقتصاد الأهم في المستقبل، فإن لليابان الكثير مما يمكنها المساهمة فيه أيضا. بالنسبة إلى اليابان، يجب أن يعني التطور الآسيوي أكثر من مجرد إقامة علاقات اقتصادية أوطد مع الصين. لذا يسعى المسؤولون والشركات اليابانية إلى تعزيز العلاقات مع أستراليا والهند وجنوب شرق آسيا. عملية الشراء التجارية المهمة الوحيدة من قبل مؤسسة يابانية في آسيا أخيرا كانت شراء شركة ادايشي سانكيوب لشركة تصنيع الأدوية الهندية ارانباكسيب. وقد حلت الهند مكان الصين باعتبارها المقصد الأول لأموال المساعدات اليابانية. كما أن المساعدات اليابانية لبلدان رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) تشهد ازديادا. يقول مايكل غرين، رئيس القسم المختص باليابان في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: اسيستثمر اليابانيون بشكل متزايد في الهند وفيتنام وإندونيسيا لإقامة توازن مع النمو الصينيب. ويشير إلى أن اليابانيين عملوا جاهدين لضم الهند وأستراليا ونيوزيلندا إلى قمة بلدان شرق آسيا، التي أجريت للمرة الأولى عام 2005، من أجل االحد من النفوذ الصينيب. تركيز طوكيو الجديد على آسيا قد يعيد إليها صورتها كقوة نافذة في العالم. وإذا أصبحت اليابان اقلب مركز النمو العالمي»، كما يقول كورتيس، فإن ذلك سيمنحها دورا أكبر في الدبلوماسية والسياسة العالمية. كما أن العلاقات الوطيدة مع الصين قد تجعل اليابان وسيطا بين الولاياتالمتحدة والصين، وليس مجرد بلد تحت حماية الولاياتالمتحدة. وقد تجعل من اليابان لاعبا أكثر أهمية في الدبلوماسية المتعددة الأطراف وليس مجرد شريك صغير في العلاقة الخاصة مع الولاياتالمتحدة. ايمكن رؤية اليابان تتقرب بشكل استراتيجي أوسع من خلال اتفاقيات أمنية ثنائية مع أستراليا والهند»، ومن خلال اجتماع لوزراء الدفاع في الولاياتالمتحدةواليابان وكوريا الجنوبية الذي جرى في شهر يونيو، كما يشير غرين. لكن اليابان لطالما كانت قوة اقتصادية تعتمد على مقاربة أحادية، وكي تستعيد نفوذها العالمي، عليها أن تستعيد نموها الحقيقي الريادي في العالم. هذا ليس ما يتحدث عنه حكام اليابان القادمون, سواء كانوا من الحزب الليبرالي الديموقراطي أو الحزب الديموقراطي الياباني. فأقصى طموحاتهم لا تتعدى كون اليابان قوة متوسطة الحجم. رنا فروهار نيوزويك العربية