ما أحوجَنا اليوم -نحن المسلمين- إلى إعلام إسلامي متميِّز، يعمل على بيان الحقِّ، ويَكشف عن وجوه الباطل، ويحمي شبابنا من هذا الغزو الفكري الإعلامي الغربي، الذي يَجتاح العالَم الإسلامي، ويَسري فيه كسَريان الدم في العروق، ولا يحقِّق لنا أيَّ شيءٍ، سوى أن نتعلَّم مبادئ وقيماً بعيدة عن صِدق الكلمة وإيثار الحق، وهدَّامة لكلِّ المبادئ الأخلاقيَّة والقِيَم الإسلامية المثلى.
إننا نعيش الآن تحدِّيات يتعرَّض لها الإسلام، وتحيط به وبنا من كلِّ جانب، وتتسرَّب إلينا عبر العديد من القنوات الإعلاميَّة الغربية والشرقيَّة الشيوعيَّة، ولا سبيل لنا بمواجهة هذه التحديات الكثيرة والمستمرة، إلاَّ بإعلام إسلامي نؤصِّل له تأصيلاً علميّاً، ونقيم أسسه، ونرسي دعائمه على هدًى وبصيرة، مما ترَكنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاباً وسنَّة، نستمدّ منهما مبادئه، ونقيم على نَهجها قواعده.
وإذا كان الإعلام اليوم ينظر إليه بمؤسَّساته وأشكاله على أنه فنٌّ جديد، وعِلم حديث بالنسبة لكثيرٍ من الأمم، فإنه ليس كذلك بالنسبة للأمة الإسلاميَّة التي انطَلَقت رسالتها معتمدة على القول الصادق والعمل الصالح، دون كذبٍ أو خداعٍ أو تضليل.
ولقد استحدَث الإسلام صوَراً جديدة في مجال الإعلام والاتصال بالناس، وسمَا بالهدف المقصود منه، فقد اعتمَد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصحابته على أحدَث ما عرَفته البشرية اليوم من وسائل الاتصال بنوعيه: الشخصي والجمعي، ولقَّنوا العالم كلَّه صِدْقَ النقل، وصِدق الخبر ودِقَّته.
والمتصدِّي لدراسة الإعلام الإسلامي على امتداد تاريخه واتِّساع أرجائه – لا يتردَّد في الحكم بأن في الإسلام سِجِلاًّ حافلاً، وزاداً لا يَنضب مَعينه لنظريات ونظم إعلامية ادَّعى علماء الإعلام في الشرق والغرب بأنها من ثمرات عقولهم وخلاصة تجاربهم.
ومن هنا تأتي أطروحة الدكتور محمد زين الهادي "حاجتنا إلى إعلام إسلامي" – والتي نوقِشَت في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول الماضي، وحصَل بها على درجة العالمية العالية (الدكتوراه) – لتكون لَبِنة في صرْح شامخ، وخطوة على طريق الحق، ومحاولة جادة تَهدف إلى التأصيل العلمي لوسائل الإعلام الإسلامي وفنونه، ملتمساً ذلك من القرآن والسّنة، وعمل السلف الصالح، مع تفسير نظريات الإعلام الحديث تفسيراً إسلاميّاً؛ لتَعمل وَفْق الضوابط والمعايير الإسلامية.
ويقسِّم الباحث أطروحته إلى أربعة أبواب رئيسة، تناوَل فيها: • واقع الإعلام العربي، وحاجة المسلمين الملحة إلى إعلام إسلامي. • مفهوم الإعلام الإسلامي، ومشروعيَّة الإعلام المصور والممثل. • التطبيقات الإعلامية وأثرها في مسيرة الدعوة الإسلامية. • الأثر الإعلامي للقرآن الكريم والأحاديث النبويَّة الشريفة. • بعض الجوانب الإعلامية من حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين. • خصائص الإعلام الإسلامي واهتماماته. • سمات الصحافة الإسلامية ومتطلباتها. • نماذج وأساليب الاتصال في الإسلام.
العلاقة بين الإسلام والإعلام: والعلاقة بين الإسلام والإعلام وثيقة للغاية؛ لأنَّ الإسلام دين الإنسانية جَمعاء؛ ولذلك فإن دعوته لَم تقتصر على قوم أو بلدٍ، أو جنس أو لون، بل هو لكل البشر في كلِّ زمان ومكان؛ ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِينْذَروا بِهِ وَلِيَعْلَموا أَنَّمَا هوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أولو الْأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: 52].
والإسلام أيضاً رسالة ودعوة مستمرة إلى الهدى والحق، والصلاح والرَّشاد، وهذه الدعوة سبيلها إعلام ينير للحائرين طريقَهم، ويَمضي بهم إلى حيث يكون الخير والفلاح لهم.
ولكن ما هو الإعلام الذي يريده الإسلام؟ يقول الدكتور محمد زين الهادي: "إنه الإعلام الصادق الذي يعتمد على الحق، ويرفض الباطل؛ إنه الإعلام الواضح الصريح الذي يَبني ولا يَهدم؛ إنه الإعلام الذي يبنى على عِفَّة الأسلوب، وشرفِ القصد، ونظافة الوسيلة؛ إنه الإعلام الذي لا يضلّ ولا يضلل، بل يهدي للتي هي أقوم.
إعلامنا والبعد عن الأصالة: ولقد قام إعلامنا – للأسف الشديد – على مبادئ وقِيَمِ المجتمعات العلمانية، فظهَر به انفصام بين الدين والدنيا، وغلَب عليه التقليد والبعد عن الأصالة واللهو والعب، بحجة إرضاء الجماهير التي فسَدت من كثرة ما سَمِعت ورأَت من الأفكار الخبيثة، والصور الخليعة، والمعتقدات الباطلة التي تدسّها وسائل الإعلام المأجورة التي انتشَرَت في بلاد المسلمين، وذلك باسم حرية الكلمة والفكر.
يقول الباحث: "لقد نَسِي القائمون على هذه الوسائل والمؤسَّسات الإعلاميَّة أو تناسوا أنَّ الإعلام يجب أن يكون مستمدّاً من قيم ومبادئ المجتمع، وأن الأمة الإسلامية لها مبادئها وقِيَمها وأخلاقها المستمدة من دستورها الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونَسِي هؤلاء أيضاً أو تناسَوا أن الإعلام الإسلامي يتميَّز بكلِّ ما يتميَّز به الإسلام عن المذاهب والفلسفات الأخرى، وأنه – أي: الإعلام الإسلامي – ليس فقيراً في موارده، ولا ضعيفاً في طاقاته وإمكاناته، ولا متهالكاً في فلسفته، ولا مهتزّاً في عقيدته، كما هو الحال في الإعلام الصليبي والصِّهْيَوني والشيوعي، الذي اتَّخذنا مذاهبه ومبادئه، وأخلاقه وأساليبه مذهباً وأسلوباً لإعلامنا الذي نطالع به المسلمين، ونغزوهم به في عقر دارهم في كلِّ وقتٍ وفي كل مكان؛ حتى صار المعروف منكراً، وصار المنكر معروفاً بيننا!
الإعلام الإسلامي وتطبيق الشريعة: ولكي يقوم الإعلام الإسلامي بواجبه، ويَلقى اهتمام الحاكم والمحكوم على حدٍّ سواء، فلا بدَّ له من جو إسلامي يعيش فيه، ولن يتحقَّق ذلك إلاَّ في ظلِّ تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية السَّمحة في كل مجالات الحياة الاقتصاديَّة والاجتماعية والسياسية، ولكن هذا – كما يقول الباحث – لن يدفعَنا إلى التشاؤم واليأس، وعدم العمل على وجود إعلام إسلامي، إلاَّ بعد تطبيق شرْع الله في بلاد المسلمين؛ لأن الإعلام الإسلامي الذي نعمل على إيجاده وتدعيمه، ووضْع أسسه وقواعده – سيتحمَّل مسؤولية المطالبة بتطبيق شرع الله من ناحية، وتهذيب سلوك الجماهير بالقِيَم والمبادئ الأخلاقية الإسلامية؛ لتقبلَ أحكام الشريعة الإسلامية من ناحية أخرى.
الصِّدق والواقعية في الإعلام الإسلامي: يقول الباحث تحت هذا العنوان: "إنَّ الإعلام الذي تخلو منه هذه الصفة، هو الذي يؤدي بأمَّته إلى الدَّمار، ويرمي بها في الهاوية؛ سواء أكان ذلك في العاجل أم في الآجل، وسواء أخذ هذا التدرج نحو الحضيض زمناً طويلاً أو قصيراً، فإن المصير المحتوم لأمَّة يقوم إعلامها على الكذب والغش، واختلاق الأباطيل الزائفة، والدعايات المغرضة – هو السقوط الفكري والرّوحي، بل والمادي في النهاية.
ولعل أهم ما يميِّز الإعلام الإسلامي من غيره، هو أنه إعلام صادق واقعي، يعمل على بيان الحق، ويكشف عن وجوه الباطل بكلِّ الطرق والوسائل المشروعة، ولا يعتمد على الأساليب الملتوية.
وقد جاء القرآن الكريم موجِّهاً ومعلِّماً للأمة الإسلامية بتحرِّي الدِّقة والالتزام بالصِّدق في نقْل وتقبّل الأخبار، وحذَّر من تصديق الفاسق الذي يحرِّف الأخبار ويلعب بالحقائق، فقال – سبحانه -: ﴿ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنوا إِنْ جَاءَكمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا أَنْ تصِيبوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتصْبِحوا عَلَى مَا فَعَلْتمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
واجبات الإعلام الإسلامي: يقول الدكتور محمد زين الهادي: "لقد ابتلِي المجتمع الإسلامي في الوقت الحاضر بأمراض اجتماعية وأخلاقية، واقتصادية وسياسية، كان للإعلام "الشيطاني" الذي ينتشر في بلاد المسلمين دورٌ كبير في وجودها وانتشارها وتفاقمها، فما نراه اليوم من جهل المسلمين بدينهم، وانحلال الشباب رجالاً ونساءً، وتشبّثهم بالنّظم والمبادئ والأفكار غير الإسلامية، وما حلَّ بالمسلمين من جهل التحاكم إلى كتابهم وسنَّة رسولهم – صلى الله عليه وسلم – وما نراه من فرقة وانقسامٍ، وحرب ونزاع بين المسلمين، وما نراه أيضاً من سفور المرأة المسلمة وانسلاخها عن الزي والأخلاق والمبادئ الإسلامية، كلّ هذه الأمراض وغيرها أوجَدها الإعلام الماجن الخبيث الذي يتلاعب القائمون عليه بعقول المسلمين حكَّاماً ومحكومين.
لذلك فإن مسؤوليات الإعلام الإسلامي كثيرة، وواجباته تحتِّم عليه أن يتعدَّى مرحلة الوعظ والأحاديث الدينية التي ملَّ الناس من تَكرارها؛ لأن المجتمع الإسلامي المعاصر يحتاج إلى مَن يأخذ بيده، وينقذه من الجاهلية التي يعيش فيها، ولن يتحقَّق ذلك إلاَّ إذا قامَت وسائل الإعلام الإسلامي بمخاطبة عقول الجماهير المسلمة، وتربيتها تربية إسلامية جيدة، عن طريق الخبر والحديث والتحقيق، والمقال والتعليق، والترفيه الإسلامي المباح، والفيلم والمسلسل والندوة، وغير ذلك من فنون الإعلام الصحفي والإذاعي والتليفزيوني وغيره.
وختاماً: فإن مجالات الإعلام الإسلامي ما زالت أرضاً بكراً، تحتاج إلى جهود الرّواد من الباحثين والدارسين والمفكرين الإسلاميين؛ لأن المكتبة الإعلامية تَفتقر إلى هذا النوع من الدراسة التي تؤصِّل فنون الإعلام في الإسلام، وتضع المنهج الإسلامي الصحيح لوسائل الإعلام العصرية: من صحافة وتلفاز، وإذاعة وغيرها.
والمستقبل يبشِّر بالخير – إن شاء الله – خصوصاً بعد أن أدرَكت الجامعة الإسلامية خطورة ما يبثّه ويَنشره الإعلام العلماني الوضعي في بلاد المسلمين، وقد عنِيت هذه الجامعة مشكورة بإعداد المتخصصين في مجالات الإعلام المختلفة، وذلك بجانب عنايتها بالدراسات والأبحاث العلمية الجادة في هذا المجال الحيوي المهم. المصدر: شبكة الألوكة