لم يكن القائد البرازيلي الأسبق سقراط، الذي رحل أمس الأول، شخصا كرويا نمطيا. كانت له آراء فلسفية قوية مثل سميه الفيلسوف اليوناني القديم، ولم يكن يعبأ بأي شيء في سبيل التعبير عن رأيه صراحة، وأصبح معروفا بآرائه السياسية وأنشطته مثل شهرته الكروية. مع غرامه الشديد بالسجائر والكحول، قد لا يرى كثير من المسؤولين والمدربين في عالم كرة القدم الحديثة في أسلوب حياة سقراط ما يرضيهم، لكنهم قد يتغاضون بعض الشيء عن هذا الرأي نظرا إلى قدراته التي فاقت أعوام حياته ال57، والتي تمتع بها هذا اللاعب الماهر في منطقة وسط الملعب. وكان سقراط يعد من أعظم اللاعبين في تاريخ الكرة، في ضوء نظرته الثاقبة وقدرته على خرق دفاع الخصم بكلتا قدميه. اتخذ سقراط برازيلايرو سامبيو دي أولايفيرا من أسلوب لاعب التنس بيورن بورج نمطا لمظهره، في وضع شريط على رأسه وإطلاق لحيته، وأصبح بذلك رمزا لجيل من مؤيدي كرة القدم. جمع سقراط بين أمرين: كرة القدم والسياسة في الحركة الديمقراطية في أواسط الثمانينيات، قبيل انتهاء فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل، وأصبح نادي ساوبولو، وهو النادي الوحيد في العالم الذي كانت تدار الأمور فيه بطريقة ديمقراطية، رمزا لرفض النظام العسكري. كان معظم لاعبي الكرة في سنه، يعتبرون أسلافهم من المشاهير مثل بيليه وجارنيتشا نماذج بطولية لهم، لكن سقراط لم يكن كذلك. أبطال سقراط كانوا رجالا مثل فيدل كاسترو، وتشي جيفارا، ممن تزعموا الثورة الكوبية في الخمسينيات، ومطرب فرقة البيتلز المناوئ للحرب جون لينون. وشعر سقراط، مثل أبطاله، أن الانخراط في السياسة التزام يجب عليه التمسك به. في حديث سابق مع «بي بي سي» في يوليو 2010، قال سقراط: «لقد منحني الناس سلطة كلاعب كرة قدم مشهور. وإن لم يكن لدى الناس القدرة على قول ما يريدون، فإنه يمكنني الإفصاح عما يريدون نيابة عنهم. وإن لم أعبر عن آراء الناس ما استمع أحد إلى آرائي»، وتابع: «إن أعظم شيء منحتني إياه الكرة، هو الفرصة لمعرفة بني البشر. كان علي مقابلة من عانوا كثيرا في حياتهم، ومقابلة غيرهم في الجانب الآخر من المجتمع ممن توفر لديهم كل شيء؛ ولذا تمكنت من رؤية جانبي المجتمع». لكن سقراط التقى وجها لوجه، مع معظم من قاسوا في المجتمع في عيادته الخاصة. لقد مارس سقراط الطب في مدينة ريبارو برتو البرازيلية، بعد أن أنهى دراسته، ورفض ممارسة الكرة، قبل أن ينهي دراسة الطب في ال25 من عمره. وكان سقراط في الملعب يمثل نبض الجانب البرازيلي في بواكير الثمانينيات، ولكنه شاهد بألم حلمه؛ لأن يصبح رابع رئيس فريق برازيلي يحمل كأس العالم في مسابقات عام 1982 يتبخر، بعد هزيمة فريقه على يد إيطاليا، رغم الهدف القوي الذي أحرزه شخصيا. ولم تتحسن الأحوال بالنسبة إلى سقراط بعد أربعة أعوام أخرى، إذ إنه فشل في إحراز هدف من ركلة جزاء في ربع النهائي، وانهزم الفريق أمام فرنسا. وقد اكتسب سقراط بالرغم من هذا شعبية كبيرة بين مؤيديه في بلاده وخارجها. وقال سقراط قبل وفاته مازحا: «عندما سميت ابني فيدل، قالت لي أمي إن هذا اسم قوي جدا بالنسبة إلى طفل. فقلت لها انظري ماذا فعلت بي عندما سميتني».. ولا شك أن سقراط قد صنع لنفسه اسما لن ينسى .