أعتقد أن وزير الخارجية الأمريكي قد فوجئ كثيرا بصلابة وشرعية ومنطقية الموقف الفلسطيني الذي سمعه بوضوح من الرئيس أبو مازن الذي التقاه لقاء مطولا ونوقشت فيه موضوعات وملفات متعددة نقاشا عميقا، لأن موقف القيادة الفلسطينية محصن بهذه الهبة الشعبية العظيمة، هبة القدس، التي تقترب من إكمال شهرها الثاني بزخم واسع النطاق رغم المواقف والسياسات والإجراءات الإسرائيلية التي يجب أن توضع جميعها تحت بند الإرهاب، إرهاب الدولة الإسرائيلية وجيشها وإرهاب المستوطنين وإرهاب المجموعات اليهودية، وهو الثالوث الأسود الذي فضحته هذه الهبة المستمرة، وكشفت الفراغات المفزعة والمخجلة في تكوين هذا الاحتلال الذي لا شبيه له في كل تجارب الاحتلال السوداء. كما ان موقف القيادة الفلسطينية كان مدعوما بالوعي الجمعي الفلسطيني الذي عبرت عنه الوقفة الشعبية التي أعلنت رفضها لزيارة كيري بصفته المعبر عن الموقف الأمريكي المنحاز لصالح إسرائيل التي واجهته في زيارته بمواقف مسبقة عنصرية تمثلت بإعلان نتنياهو أنه لن ينسحب من الاغوار تحت أي بند، وأنه يطالب أمريكا بالاعتراف بالكتل الاستيطانية، وأن إسرائيل مستمرة في نهجها الاحتلالي والعنصري البشع، معبرا عنه بسلسلة القوانين والقرارات بشرعنة اعتقال الأطفال دون سن الرابعة عشرة، وباستمرار معاقبة أهالي المناضلين الذين يتصدون للاحتلال بهدم بيوتهم أو إبعادهم إلى غزة أو عقابهم الجماعي الذي يفوق كل الحدود. ماذا بقي من هذه الزيارة التي واجهها الإسرائيليون بالاستهتار والعنصرية، والجواب أن هذه الزيارة تحولت الى جولة علاقات عامة بل أقل من ذلك، وأنها خالية من أي قرار أو فعل أمريكي، وأكدت أن هذه الإدارة الأمريكية في عامها الاخير المتبقي لها تتهيأ للمغادرة وقد ضاعفت حجم المشاكل في العالم وضاعفت من حجم الأسئلة المطروحة حول مسؤوليات الإدارة الأمريكية.. أعتقد أن هناك وعيا فلسطينيا عميقا وعمليا أيضا بضرورة استمرار هذه الهبة العظيمة، ومساعدتها بكل ما نستطيع ورعايتها بكل مستويات الحرص الوطني حتى تواصل اسقاط فرضيات نتنياهو العدوانية والعنصرية، فسواء اعترف نتنياهو أو لم يعترف فإن هذه الهبة أفقدته الثقة بالنفس وأفقدته زمام المبادرة وحولته من شريك في طرح السلام العادل الى مجرد معتد آثم لا أكثر ولا أقل.