رأينا مؤخرا قيام مجلس حماية المنافسة بالتشهير بقضيتي احتكار وتغريم المتسبب فيهما، وهو ما يحسب لهذا المجلس دون أدنى شك، ونطالبه بالمزيد من هذه القضايا والتشهير والتغريم بأقصى العقوبات، لأن بها أضرارا على المنافسين وعلى جميع المستهلكين في آن واحد، بينما المستفيد هو التاجر الجشع. الخطوة التي لجأ إليها مجلس المنافسة تبعث على الأمل والارتياح، لما له من ضمان بحصولنا على سلع وخدمات ذات جودة عالية وبأسعار تنافسية، إضافة لحصول شركاتنا على روح المبادرة ما يوجد جوا من المنافسة الشريفة التي تعود عوائدها على باقي التجار والمستهلكين. فالمنافسة تضمن لنا أن الأسعار التي وضعت نتيجة للعرض والطلب فقط، وليس لجشع تاجر معين، فمحاربة الاحتكار والمنافسة والتشهير بأصحابها ستؤتي ثمارها على المدى القريب وليس كباقي القضايا التي تأخذ وقتا وتظهر نتائجها على المستوى المتوسط أو البعيد. إن ضمان حرية المنافسة يحتاج أيضا إلى أدوات فاعلة لمراقبة السوق ودرجة تركزها، مع الأخذ بعين الاعتبار الممارسات التي تمارس فيها بشكل مستمر، وأن تكون أبواب الشكوى مفتوحة بجميع الطرق لمن يشعرون بتأثير المحتكرين سواء من المستهلكين أو من اللاعبين الصغار في السوق وتؤخذ هذه الشكاوى بعين الاعتبار، فلا بد أن يكون لدى المجلس أدوات فاعلة لجمع الأدلة، مع عدم الاكتفاء بمعاقبة المحتكر بالتشهير أو الغرامة لأنهما لن يؤثرا عليه إذا لم يقترنا بعقوبات تصل لمنعه من النشاط عند تكراره لهذه المخالفة. بقي أن نعلم أن الممارسات الاحتكارية ليست جديدة وليست مقصورة على بلد أو مكان أو نشاط، وإنما هي قديمة وشائعة، فلا بد من تحديث القوانين لحماية المنافسة ومحارب الاحتكار، فالدول التي تزعم أن اقتصادها يقوم على المنافسة لا تترك الأمر لقوى السوق، بل تسن القوانين التي تعزز المنافسة وتحميها إيمانا منها أن قوى السوق وحدها لن تضمن المنافسة.