احتكار السلع - وتحديداً ذات العلاقة بمعيشة المواطن - أو تنقله، أو مسكنه؛ هي مصدر الغلاء، والاستغلال، والجشع، والرغبة في تحقيق المكاسب على حساب «المواطن البسيط»، وربما أكثر من ذلك على حساب الإساءة لاقتصاد الوطن، والتأثير في سياسة العرض والطلب، والتنافس الشريف، وجودة المنتج. وعلى الرغم من وجود أنظمة واضحة تحمي المنافسة، ومن بينها مواد منصوص عليها صراحة في التصدي لآفة الاحتكار، إلاّ أن واقع التطبيق مختلف، وربما غير موجود مع محدودية الرقابة، وعدم التفاعل مع بلاغات المواطنين، وتطبيق العقوبات القاسية التي تصل إلى التشهير. ولعل اللافت استغلال المواطن في معيشته، من خلال عمالة وافدة متستر عليها تشتري إنتاج مزارع للخضار، والورقيات، والتمور، حيث يتم - حسب تعميم وزارة الثقافة والإعلام - احتكار هذه المحاصيل، التي تدخل في قائمة مشتريات المواطن اليومية، والتلاعب في أسعارها، وهو ما يترك أثراً سلبياً في اقتصاديات الأسرة، وعدم استقرار الأسواق، والتحكم فيها. «ندوة الثلاثاء» تناقش هذا الأسبوع نظام حماية المنافسة ودوره في الحد من تنامي ثقافة الاحتكار للسلع. «المواطن البسيط» تحمّل تبعات «الجشع» و«الاستغلال» و«التلاعب» وينتظر «الكي» مفهوم الاحتكار وأنواعه في البداية عرّف "د. القحطاني" الاحتكار قائلاً: "أبسط تعريف للاحتكار أن تلجأ شركة مصنعة لسلعة معينة بتسويقها أو بيعها بأسعار مرتفعة تتجاوز حد المنطق والمعقول، مستغلةً أنّها الوحيدة التي تملك هذه السلعة"، مشيراً إلى أن غالباً ما يرتبط الاحتكار بالسعر المرتفع المبالغ فيه، ولهذا الاحتكار آثار سلبية قوية على أي اقتصاد بصورة عامة، ولعل أخطر أثر أنّه يفقده صفة المنافسة التي يُفترض أن تكون موجودة في أي اقتصاد واعد، موضحاً أنّ أي اقتصاد قوي وحر، لا يحقق النجاح المأمول منه إلاّ في حال وجود منافسة شريفة، تشترك فيها جميع الشركات والمؤسسات الاقتصادية، كلٌ في تخصصه؛ لضمان إيجاد السلع في الأسواق بجودة عالية وأسعار معقولة، مضيفاً أنّ هناك نوعين من الاحتكار، أولهما محمود له فوائد عدة ومتنوعة، ومهم، ولا بد منه، ويتمثّل في احتكار الدولة لسلعة ما، مثل النفط، لضمان وصول مشتقاته إلى المواطنين أو المستهلكين بالأسعار المعقولة التي ترتضيها الدولة لمواطنيها، والنوع الآخر هو الاحتكار المذموم، مثل احتكار جهة تجارية ما سلعة ما، والتحكم في أسعارها كما يحدث لدى بعض التجار. عمالة متستر عليها تشتري محاصيل مزارع الخضار والتمور وتحتكر وتتلاعب في الأسعار وأضاف "المري" أنّ الاحتكار يتحقق إذا كان هناك اتفاق بين الشركات العاملة في المجال نفسه على البيع بأسعار معينة، أو بتقديم الخدمات بالأسعار نفسها، ومثل هذا الأمر يحدث في بعض الشركات التي نجحت في الاتفاق فيما بينها على المواطن، مبيّناً أنّ مثل هذه الاتقافات لا تصب في صالح المستهلك، ويجب أن تمنع وزارة التجارة هذه الاتفاقات وتتخذ حيالها عقوبات صارمة؛ لأنّ هذا الأمر يلغي المنافسة الشريفة في عالم الاقتصاد. د. القحطاني: سيارة في المملكة ب (80) ألفاً وبدول الخليج (60) ألف ريال.. الفرق لمصلحة من؟ تشجيع الحكومات وعلق "د. القحطاني" على ما ذكره "المري" من أنّ الحكومات أحياناً هي التي تشجع على الاحتكار، فهي التي تستطيع أن تحد منه إن أرادت، ورأينا هذا التشجيع متجسداً في الحكومة البريطانية، التي منحت شركة "أوليفر كروم ول" احتكاراً للبريد منذ عام 1654م حتى عام 2006م، وهذا يمثّل قمة الاحتكار من الحكومات، مبيّناً أنّ الحل يكمن في تعزيز المنافسة العادلة بين الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال، محذراً من غياب المنافسة في الاقتصاد السعودي، مضيفاً أنّ الاقتصاديين يؤكّدون أنّ عنصر المنافسة بمثابة المحرك الرئيس لأي اقتصاد يسعى للنمو والازدهار. د. الخالدي: ألغوا امتيازات «خمسة نجوم» لبعض الشركات حفاظاً على المنافسة في السوق..! وقال: "إذا بحثنا في تاريخ المملكة نجد أنّ أول من حارب ظاهرة الاحتكار في أسواقنا هو مؤسس هذه الدولة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، إذ حارب الاحتكار في زمنه، ورفض أن تتحكم الشركات الكبرى في الشعب، وأكبر دليل على ذلك، عندما أعطى -رحمه- امتيازاً للشركة الأمريكية التي كانت تنقب عن النفط في الأراضي السعودية في البداية، وحدده ب(60) عاماً فقط، وحدث هذا الاحتكار المحدد المدة؛ نظراً لحاجة المملكة إلى خبرات الأجانب، وتحديداً الأمريكيين لاكتشاف النفط واستخراجه، ليكون السلعة الأولى في المملكة التي يستند عليها اقتصادنا"، موضحاً أنّ هذا دليل على إدراك الملك عبدالعزيز بخطورة الاحتكار، وضرورة أن لا يكون موجوداً في الاقتصاد السعودي. المري: اندماج الشركات ألغى المنافسة وعزز «الهيمنة» في السوق اندماج الشركات والمؤسسات واعتبر "المري" أنّ اندماج الشركات والمؤسسات الصغيرة أيضاً يشجع على الاحتكار، مضيفاً "لست ضد الاندماجات أو التحالفات الاقتصادية لأنّها سمة العصر، ولكن أن تشجع عليها الدولة دون أن يكون هناك داعٍ لها، يعزز الاحتكار؛ لأنّ هذه الشركات عندما تتحد تلغي من قاموسها مبدأ المنافسة الذي نطالب به جميعاً، ويضاف إلى ذلك أنّ العلامات والوكالات التجارية، لا بد أن تحكمها أنظمة ومعايير مفروضة من الدولة، تضمن توفر سلع هذه المنتجات في الأسواق بأسعار معقولة، بعيداً عن الاحتكار، ولا مانع أن تنزع هذه الوكالات من أصحابها إذا استغلوها بطريقة خاطئة". البقعاوي: البديل المناسب غير متوافر بسعر معقول وإنما بجودة أقل منافسة غير مشروعة وشدّد "د. الخالدي" على أنّ الاحتكار في القانون يعدّ منافسة غير مشروعة، حيث يعمد التاجر إلى تكديس بعض السلع الضرورية وحبسها عن العامة بهدف رفع أسعارها والتحكم في بيعها، مبيّناً أنّ النظام لم يرد فيه تعريف خاص للاحتكار أو المنافسة غير المشروعة وما جاء توصيف لحالات احتكارية، وقد أورد النظام تعريفا للهيمنة؛ كتوصيف للاحتكار وهي وضع تكون فيه المنشأة أو مجموعة منشآت قادرة على التأثير في السعر السائد في السوق، من خلال التحكم في نسبة معينة من العرض الكلي لسلعة أو خدمة معينة في الصناعات التي تمارس نشاطها فيها، مبيّناً أنّ المنظم السعودي لم يقصر الاحتكار على المواد الغذائية فحسب، بل امتدت الحماية القانونية لجميع المنتجات والخدمات المعروضة في الأسواق، كما وسّع الممارسات الاحتكارية المحظورة على حبس أو تخزين السلع والخدمات. عمالة وافدة تشتري إنتاج المزارع من الخضار والورقيات مظاهر الاحتكار ولفت "البقعاوي" إلى أنّ الاقتصاد في السنوات الأخيرة يميل نحو تبني فكرة الاحتكار بدلاً من إيجاد المنافسة السعرية والجودة، سواءً في السلع أو الخدمات، حيث يمكن لمتتبع الاقتصاد السعودي أن يلحظ مظاهر الاحتكار بسهولة، فهناك على سبيل المثال شركات تحتكر خدمات النقل، وتتحكم في الأسعار كيفما يحلو لها وليس لها منافس يقدم الخدمة نفسها بأسعار منافسة؛ مما زاد شكوى المستهلكين من نوعية الخدمات التي تقدمها لهم، مجبرين على أن يتعاملوا معها بايجابياتها وسلبياتها، لأنّ البديل غير متوفر، وكذلك شركات الخدمات التي لا يجد المستهلك إلاّ الرضوخ لتعليماتها وأسعارها لعدم وجود شركة أخرى تقدم الخدمات نفسها، كما يمتد الاحتكار إلى قطاع المقاولات، حيث تحتكر عددٌ من الشركات السوق وتعمل على المشروعات الضخمة والكبيرة، مطالباً الجهات المعنية بتلافي عمليات الاحتكار، والقضاء عليها عبر فتح المجال أمام المؤسسات والشركات الأخرى القادرة على تقديم الخدمات نفسها أو توفير السلع نفسها، بأسعار أقل وجودة أعلى أو مماثلة، وترك المستهلك يختار نوع السلعة المناسبة له ولإمكاناته المادية. .. وتتلاعب بالأسعار في السوق والضحية المواطن آليات فاعلة وعن كيفية حماية المجتمع والاقتصاد السعودي من ظاهرة الاحتكار من الناحية القانونية؛ قال "د. الخالدي" انّه من المهم إيجاد آليات فاعلة وحقيقية لإحكام الرقابة على الأسعار وتشديد الرقابة على الأسواق المحلية، والتصدي للمحتكرين، وتغليظ العقوبات في قوانين الاحتكار، مع ضرورة إنهاء الامتيازات الممنوحة لبعض الشركات؛ لأنّ ذلك يسبب أضراراً اقتصادية بالغة على السوق، حيث يتضح مدى الأخطار التي من الممكن أن تواجه الفرد والمجتمع من جراء الممارسات الاحتكارية، لذا كان حرص دول العالم كافة على سن تشريعات تجرّم هذه الممارسات، كما رتب النظام بعض العقوبات لمخالفة هذا النظام، فقرر عقوبة الغرامة المالية لمن يخالف أحكام النظام بما لا تتجاوز (5.000.000) ريال، وتتضاعف في حالة العودة، وينشر الحكم على نفقة المخالف مع إلزامه بإزالة المخالفة خلال فترة زمنية معينة، ودفع غرامة يومية لا تقل عن (1.000) ريال، ولا تجاوز (10.000) ريال حتى تاريخ إزالة المخالفة. المستهلك عانى كثيراً من ارتفاع الأسعار وينتظر الحلول قرارات أكثر شجاعة وطالب "د. القحطاني" وزارة التجارة بوضع بنود وقوانين تحارب الاحتكار في السوق السعودي، وتحدد الأسس والقوانين الواجب اتباعها من التجار والشركات لمحاربة الاحتكار بجميع أنواعه، مضيفاً: "لعلي أتساءل -على سبيل المثال- عن دور وزارة التجارة عن الاحتكار في قطاع استيراد السيارات، واقتصاره على شركات بعينها؛ مما جعلها تتحكم في الأسعار كيفما شاءت"، موضحاً أنّ الاحتكار في السوق السعودي يتركز في القطاعات ذات الأرباح العالية مثل الأغذية، والخدمات، مشيراً إلى النموذج الأمريكي ناصع البياض في محاربة الاحتكار، عندما أجبرت الحكومة الأمريكية شركة "مايكروسوفت" على عدم احتكار منتجاتها وخدماتها، وساعد ذلك على ظهور شركات أخرى تبتكر خدمات جديدة، وتقدم أسعاراً منافسة. احتكار السلع لم يترك بديلاً مناسباً بسعر أقل وجودة عالية مصلحة المواطن وعلق "المري": "قرأنا كثيراً عن إجراءات تتخذها وزارة التجارة تصاحبها حملة تفتيش، للحد من ظاهرة الاحتكار، ومراقبة الأسعار، ولعل آخرها في إبريل من العام الماضي، ولكن لم يشعر المواطن العادي بتأثير هذه الإجراءات أو الحملة؛ مما يتطلب إتخاذ قرارات أكثر شجاعة من وزارة التجارة بمنع الاحتكار أياً كان، على أن تأتي مصلحة المواطن البسيط في المقام الأول، ومقدمة على مصلحة رجل الأعمال المحتكر"، مبيّناً أنّ بعض دول الخليج العربي وكذلك بعض الدول العربية نجحت في كسر قيود الاحتكار في أسواقها، والدليل على ذلك شراء مواطني المملكة منتجات من أسواق دول الخليج والمجيء بها إلى السعودية، لأنّ أسعارها تقل كثيراً عن أسعارها في أسوق المملكة. اسعار السيارات لا تزال مرتفعة مقارنة باسواق اخرى طبقت معايير المنافسة قوانين المنافسة وقال "د. الخالدي" إنّ قوانين المنافسة تعتبر من أرقى القوانين لما تحتويه من مضامين ومبادئ سامية، تتمثّل في تأكيد الكفاءة، والفاعلية، والعدالة، والحرية، والانضباط، والاستقامة، وتكافؤ الفرص، والجدارة وغيرها، ويصب ذلك في النهاية في رفاهية المستهلك، ومن المعلوم أنّ المصالح الاقتصادية للمجتمع هي إحدى المصالح الجوهرية للجماعة، لذا كان ينبغي إحاطتها بقوانين وتنظيمات تحميها وتكفل العدالة الاجتماعية والرفاه المنشود، مبيّناً أنّ الاحتكار لا يوفر الرضا بين البائع والمشتري؛ مما يخلق بغضًا في نفوس المشترين، وكما جاء في البند الثالث من القرار رقم (8) الصادر من مجمع الفقه الإسلامي تأكيده أنّه (قد تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته، كالغش، والخديعة والاستغلال، وتزييف حقيقة الربح، والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة)، كما صدر نظام المنافسة بالمرسوم الملكي رقم (م/25) في عام 1425ه وذلك بهدف حماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة، والذي استقي من أصول التشريع الإسلامي وآخر ما توصلت له القوانين التي توازن بين حقوق المستهلكين والشركات. وأضاف أنّ المنظم لم يكتف بإضفاء الحماية القانونية للأفراد فحسب، بل امتدت الحماية إلى المشروعات الحكومية وذلك للمحافظة على المال العام، فقد عبرت المادة الرابعة من نظام المنافسة السعودي على أنّه (تحظر الممارسات، أو الاتفاقيات، أو العقود بين المنشآت التنافسية، أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت هذه العقود مكتوبة، أو شفهية، صريحة كانت أو ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات، أو الاتفاقيات، أو العقود، أو الأثر المترتب عليها، تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت). أنظمة صارمة وأكّد "د. القحطاني" أنّ محاربة الاحتكار تكون عبر فرض الأنظمة الصارمة على الجميع بدون استثناء، شريطة أن يعتمد هذا القانون على سياسة التشهير بالمحتكر، ونشر اسمه والجرم الذي ارتكبه في وسائل الاعلام، ليكون عبرةً لغيره من التجار الذين يفكرون أن ينتهجوا نهجه، وتشجيع اذكاء روح التنافس بين الشركات، وتسهيل بنود التبادل التجاري بين الدول، وعدم احتكار الوكالات من قبل شركات بعينها، وتشكيل لجنة تابعة لوزارة التجارة تحارب الاحتكار، وتتلقى بلاغات المواطنين عن الاحتكار، إلى جانب إيجاد محاكم تجارية تفعّل بشكل جيد، وتبت بشكل سريع في القضايا التجارية المرفوعة إليها، ويكون مكانها الغرف التجارية، بالإضافة إلى توفير السلع بشكل كبير، وإيجاد توازن بين العرض والطلب، واستبعاد المنتج المحتكر من عموم الأسواق، وتوعية المجتمع بخطورة الاحتكار، وعمل برامج توعوية تعرف وتفند هذه الآفة، وإنشاء لجنة إشرافية من وزارة التجارة لمراقبة السوق ومتابة أساليب المحتكرين. غياب الأسس النظامية وأشار "د. الخالدي" إلى أنّ من أسباب تفشي ظاهرة الاحتكار في السوق غياب الأساس النظامي لتطبيق سياسة المنافسة في المملكة، والمملكة استطاعت أن تضع نظاماً جيداً لحماية المنافسة يتوافق مع المعايير الدولية استجابة لمتطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، ولحماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر في المنافسة، لكن المطلوب هو أن يفعل مجلس حماية المنافسة دوره المناط به، بعد أنّ نص اﻟنظﺎم ﻓﻲ اﻟمادة اﻟثامنة ﻋﻠﻰ صدور أﻣر ملكي بتشكيله برئاسة معالي وزير التجارة وعضوية وزارة المالية، والاقتصاد والتخطيط، والهيئة العامة للاستثمار، من خلال مراقبة الأسواق وتطبيق النظام على المخالفين، وازالة جميع أنواع الاحتكار، وفرض عقوبات وغرامات غير محدودة على المتورطين في قضايا الاحتكار، فالمطلوب تفعيل مجلس المنافسة للأنظمة ومتابعته لانتهاكات الشركات لحقوق المستهلكين. تعزيز الإبداع وبيّن "البقعاوي" أنّ المنافسة في الاقتصاد الحديث مطلب لا غنى عنه لتعزيز عناصر الإبداع لدى التجار، وعندما يكون هناك احتكار في سوق ما، فهذا معناه أنّ هناك غلاء في الأسعار، ومعناه أيضاً أنّ هناك تاجرا بعينه أو مجموعة تجار يربحون بدرجة مُبالغ فيها، بينما بقية التجار لا يربحون بالدرجة نفسها، لأنّهم بعيدين عن المنافسة في السلعة ذاتها، وإذا بقي الأمر على ما هو عليه فترات طويلة، فعلينا أن نتوقع زيادات متواصلة في أسعار السلع، يقابله استياء من المستهلك، وحقد في نفوس بقية التجار المحرومين من المنافسة مع التجار المحتكرين للسلعة، مضيفاً أنّ المنافسة انعدمت في قطاعات عدة، حيث رأت أن تتفق فيما بينها على المستهلك لصالح نفسها، معتبراً أنّ الحل يكمن في فتح المجال أمام جميع القادرين على المنافسة في السوق، من أجل توفير السلع في الأسواق من جانب، وتراجع أسعارها من جانب آخر، كما أنّ كل تاجر في ظل هذه المنافسة سيكون حريصاً على أن تكون له الغلبة على بقية التجار، سواءً في السعر أو الجودة أو غيرهما من المزايا الأخرى، وهذا ينعكس في نهاية الأمر على المستهلك الذي سيضمن الحصول على احتياجاته بالسعر الجيد، والجودة المطلوبة. كسر الشوكة ورأى "د. القحطاني" أنّ وفرة الإنتاج والمصانع وفتح المجال أمام الشركات المختلفة للمشاركة في عملية الإنتاج أو استيراد السلع يمنع مظاهر الاحتكار، مبيّناً أنّ دولاً خليجية نجحت في كسر شوكة الاحتكار بأسواقها، والدليل على ذلك أنّ السيارة التي يبلغ سعرها في أسواق المملكة (80) ألف ريال، نجدها في السوق الخليجي بنحو (60) ألف ريال، مبيناً أنّ المحتكرين هم أعداء الاقتصاد، ولن نستطيع أن نحارب الاحتكار ونحد منه، إلاّ بإعادة ترتيب الشأن الاقتصادي من جديد، وهذا دور موزع على وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الاقتصاد والتخطيط. تدفق السلع والخدمات وأكّد "د. الخالدي" أهمية الحماية القانونية لحرية تدفق السلع والخدمات للأسواق أو خروجها منها كليا أو جزئياً، فعندما تكون الشركة مسيطرة على كامل السوق تعتبر حينها محتكرة حيث تستطيع أن تفرض الأسعار كيفما تشاء؛ لأنّه لا يوجد شركات أخرى لمنافستها في هذا السوق، وعندما يسيطر على السوق عدد قليل من الشركات تُسمى حينها هذه الحالة باحتكار القِلّة، وتبعاً لذلك؛ فإنّ كل الأفعال المادية الملموسة التي تؤدي إلى ندرة السلعة في الأسواق أو ارتفاع ثمنها عن القدر المألوف بما يضر بالمنافسة العادلة تعتبر احتكاراً، كذلك ما تفعله بعض الشركات بالاتفاق فيما بينها على توحيد أسعارها، وذلك لإجبار المستهلك على شرائها لاشتداد الحاجة إليها، ويمكنهم بذلك التحكم في السوق على حسب أهوائهم. موجات الغلاء ونوّه "البقعاوي" بأنّ نماذج الاحتكار في سوق المملكة ليس لها مبرر لبقائها طيلة السنوات الماضية؛ حيث أنّ الاقتصاد في المملكة حر وقوي، والجميع يشهد على أنّه أقوى اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، ولكن نماذج الاحتكار الموجودة فيه تعكر صفوه وتضعف أركانه، مضيفاً: "مثل هذه النماذج إذا كان لها ما يبررها في وقت سابق فلا يوجد لها مبرر في الوقت الحالي، وأعني بذلك موجات الغلاء المستشري في جميع السلع والخدمات خلال السنوات الأخيرة، وهذا الغلاء لم يعد يطيقه المواطن من محدودي الدخل، ويشكو منه على الدوام؛ مما يستدعي أن تبادر الجهات المعنية للقضاء على أي مظاهر للاحتكار، للقضاء على غلاء الأسعار في السلع كافة". تغليظ العقوبات وأوضح "د. الخالدي" أنّ الاحتكار من أبرز الظواهر السلبية في الاقتصاد، ومواجهته تتطلب وجود آليات قانونية ورقابية فاعلة، والتصدي للفئات المحتكرة، وتغليظ العقوبات في قوانين منع الاحتكار، مع ضرورة إنهاء الامتيازات الممنوحة لبعض الشركات، لأنّ ذلك يلعب دوراً كبيراً في إحداث أضرار اقتصادية بالغة على السوق والمستهلك بوجه خاص، مطالباً بإلغاء الامتيازات التي منحت لبعض الشركات الحكومية أو شبه الحكومية لبعض القطاعات، معتبراً أنّ مراجعة أنظمة الوكالات التجارية خطوة في الاتجاه الصحيح للقضاء على جميع مظاهر الاحتكار التي تنشأ عن الوكالات الحصرية، ولا يكفي أنّ يسمح النظام بتعدد الوكالات، بل يجب أن يكون السوق مفتوحاً دون قيود احتكارية، وقد لمس المستهلك الفرق بين الخدمات والأسعار في قطاع الاتصالات والنقل الجوي عندما تم فك الاحتكار جزئياً عن هذين القطاعين؛ مما رفع مستوى المنافسة وطور وحسن مستوى الخدمات. رفع دعوى قضائية ضد المحتكر..! يتم ضبط مخالفات أحكام نظام المنافسة ومنع الاحتكار -وﻓﻘﺎً لمجلس حماية المنافسة في مادته التاسعة- من خلال طريقتين؛ الأولى مبادرة المجلس، والأخرى من خلال الشكوى التي ترد إليه، ويمكن للمجلس أن يتخذ إجراءات التقصي، والبحث، وجمع الاستدلالات، والتحقيق في حالة ظهور مؤشرات بوجود مخالفات لأحكام هذا النظام، وعند تلقي الشكاوى يتخذ المجلس ذات الإجراءات مع التحقيق في الشكاوى المقدمة. ويمكن ﻷي ﺷﺧص طبيعي أو اﻋتباري اﻻستفسار أو إبلاغ مجلس حماية المنافسة بأي مخالفة لأحكام النظام، كما أعطى النظام بعض الصلاحيات والاختصاصات لموظفي المجلس بدراسة الشكاوى المقدمة في شأن مخالفة النظام والتحقيق فيها، وبما أنّ النظام قد أعطى المجلس الصلاحية في الموافقة على بدء إجراءات الدعوى الجزائية ضد المخالفين لأحكامه فقد أعطى موظفي المجلس الاختصاص بالإدعاء عند نظر المخالفات أمام اللجنة المكونة بمعرفة المجلس، وأمام ديوان المظالم، وليس هذا فحسب، بل يكون له حق التقصي، والبحث، والاطلاع على جميع السجلات والملفات والوثائق لدى المنشأة محل الشكوى. عمالة غير نظامية تحتكر السلع! تمارس العمالة الأجنبية -التي تعمل في سوق المملكة بنظام التستر- دوراً بارزاً في انتشار ظاهرة الاحتكار في العديد من السلع، وتتخذ خطواتها المنظمة للسيطرة على سلعة أو منتج ما، حيث تابعت العمالة غير النظامية هيمنتها في السوق؛ بسبب عدم تطبيق الأنظمة وضعف الرقابة الصارمة؛ ما أدى إلى انتشارها في الأسواق والسيطرة عليها من جهة، ومنافسة المواطن من جهة أخرى، كما تعددت أعمالها في سوق المنتجات مثل حراج بيع السلع المستخدمة، والكثير من الأنشطة التجارية، حتى أصبحت تملك زمام السيطرة وتتحكم في الأسعار بالطرق التي تناسبها. وعممت وزارة الثقافة والإعلام في وقت سابق خطاباً رقم (17653) بتاريخ 25-9-1433ه إلى عدة جهات إعلامية تفيد فيه بأنّ العمالة الأجنبية غير النظامية اشترت محاصيل زراعية قبل حصادها؛ بهدف التحكم في أسعارها عند البيع واحتكار السوق، مطالبةً بتكثيف الحملات الإعلامية لإظهار خطورة التعامل معها بشكل غير نظامي في المنتجات الزراعية؛ مما يترتب عليه الضرر على الوطن والمواطن. تنظيم السوق بتشريعات إلحاقية ورقابة صارمة وصف "خالد الصالح" -رئيس لجنة المحامين بغرفة الشرقية- الاحتكار بالآفة الاجتماعية التي تلحق أشد الضرر بالمستهلك، مبيناً أنّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- يشجع دائماً على السبل التي تؤدي إلى تنويع القاعدة الاقتصادية، وتحسين مناخ الاستثمار والاقتصاد الوطني، وتذليل العوائق الاستثمارية، وذلك للعمل على استقطاب حصة أكبر من التدفقات الاستثمارية العالمية، مؤكداً أن تحقيق هذا الهدف من خلال توفير مناخ تنافسي يشجع على جذب الاستثمارات والابتعاد عن السياسات الاحتكارية. وقال: "المملكة استطاعت أن تضع نظاماً جيداً لحماية المنافسة يتوافق مع المعايير الدولية استجابةً لمتطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وحماية المنافسة العادلة وتشجيعها ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر في المنافسة"، مؤكداً أنّ النظام تضمن معايير للحماية لا تختلف عما هو موجود في القوانين الدولية، إلاّ أنّ تفعيل الأنظمة وآلية التنفيذ دائماً ما تكون مغيبة؛ مما يساعد على بروز هذه المشكلة، وطالما أنّ مشكلة الاحتكار وحبس السلع بات منتشراً هذه الأيام فلا مناص من إصدار التشريعات الإلحاقية الصارمة، وتفعيل الأنظمة والقوانين، وإعطاء وزارة التجارة صلاحيات إضافية لمكافحة هذا الداء الخطير، تشديد الرقابة، ووضع العقوبات الجزائية التي منها مصادرة السلع المحتكرة، وتشديد الغرامة، والتشهير، والذي يمكن أن يكون من العوامل المساعدة في القضاء على ظاهرة الاحتكار. وأضاف أنّ تنظيم المنافسة التجارية يقتضي وضع قواعد خاصة بآليات عمل السوق، وإيجاد قواعد لحماية الوسائل التي يستخدمها التجار في المنافسة لجذب العملاء لضمان مشروعية المنافسة التجارية، مبيّناً أنّ من صور الاحتكار ما تفعله بعض الشركات من الاتفاق فيما بينها على توحيد أسعارها وذلك لإجبار المستهلك على شرائها لاشتداد الحاجة إليها، وبالتالي التحكم في السوق على حسب أهوائهم، موضحاً أنّ منع الاحتكار يعتبر الخطوة الأولى لضمان وجود منافسة في السوق، وحماية المنافسة تضمن قواعد لمشروعية المنافسة وتمنع الاحتكار في السوق، ولضمان تحقيق هذه الأهداف جاءت المادة الرابعة من نظام منع مكافحة المنافسة السعودي لتحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواءً أكانت العقود مكتوبة أو شفهية، وصريحة كانت أم ضمنية؛ إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت. وأشار إلى أهمية العمل على مكافحة الممارسات الاحتكارية والوصول إلى صيغة قانونية تمكننا من تحقيق ذلك؛ مما يساعد على حماية المنافسة العادلة، لافتاً الى أنّ نظام المنافسة يتيح المنافسة بمعنى وجود وتوفر السلع في الأسواق أمام المستهلك، وعدم حجبها منعاً للاحتكار، وأنّ نظام المنافسة يمنع الاحتكار، مضيفاً: "هناك فرق بين المنافسة والاحتكار، فمن يملك الحصة الأكبر هو المحتكر، ولو أنّ هناك فردًا ما أو موزعا ما يملك (1000) طن من الحديد هذا لا يؤثر على ارتفاع الأسعار، ولا يعد احتكارًا، لأنه لا يؤثر في السوق في شكله العام"، مطالباً بضرورة تفعيل قانون يكافح حجب السلع عن المشترين بغية إحداث شح في المعروض للبيع من أجل رفع الأسعار، إلى جانب زيادة الأنظمة وإصدار تشريعات جديدة في هذا الجانب. نظام المنافسة يمنع الاحتكار..! أوضح "د. عبدالجليل الخالدي" أنّ المادة الأولى من نظام المنافسة هو منع الاحتكار؛ ومنعه يعتبر الخطوة الأولى لضمان وجود منافسة في السوق، مشيراً إلى أنّ ما تضمنه نظام حماية المنافسة من قواعد؛ يتضمن مشروعية المنافسة ويمنع الاحتكار في سوق المملكة، حيث أكّدت المادة الخامسة من النظام الحظر على المؤسسات التي تتمتع بوضع هيمنة في السوق؛ وعلى أي نشاط يحد من المنافسة بين الشركات الأخرى بما يضر وضعها بالسوق الذي سينعكس على المستهلكين. وقال:"من أهداف نظام المنافسة -وفقًا لما جاء بنص المادة الأولى من النظام-؛ حماية المنافسة العادلة وتشجيعها وهو هدف اقتصادي هام تسعى إلى تحقيقه الدول كافة، وتسن له التشريعات، وذلك لتوفير مناخ اقتصادي يساعد على جذب مزيد من التدفقات الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية، والتي تتطلع للبيئة القانونية التي تحميها، كما تتيح المنافسة البدائل أمام المستهلك في الاختيار بين السلع والخدمات بما يتناسب وإمكاناته المادية، والهدف الآخر يتمثل في مكافحة الممارسات الاحتكارية التي تساعد على حماية المنافسة العادلة". توصيات ومقترحات * تشديد الرقابة على الأسواق المحلية، وتكثيف عمل المراقبين. * تطوير آلية تلقي بلاغات المواطنين عن الاحتكار. * فرض الأنظمة الصارمة على المخالفين من دون استثناء. * إصدار تشريعات إلحاقية للحد من احتكار السلع. * منع الشركات من احتكار السلع المرتبطة بمعيشة المواطنين. * وضع أسس وقوانين من قبل وزارة التجارة للشركات بهدف محاربة الاحتكار بجميع أنواعه. * التشهير بالمحتكر، ونشر اسمه والجرم الذي ارتكبه في وسائل الاعلام؛ ليكون عبرةً لغيره من التجار. * توفير السلع بشكل كبير، وإيجاد توازن بين العرض والطلب، واستبعاد المنتج المحتكر من الأسواق. * تثقيف المواطن بأهمية عدم تركيزه على السلع المحتكرة والبحث عن البديل. * توزيع السلع على عدة مستثمرين بما يتناسب مع المساحة الجغرافية للمملكة. * تسهيل بنود التبادل التجاري بين الدول، وعدم احتكار الوكالات من قبل شركات بعينها. * تعزيز ثقافة المنافسة لتعزيز تعددية المنتجات. * إيجاد محاكم تجارية وتفعيلها؛، للبت بشكل سريع في القضايا التجارية المرفوعة إليها، ويكون مقرها الغرف التجارية. المشاركون في الندوة مبارك صالح المري - رجل أعمال د. محمد القحطاني -محلل اقتصادي وأستاذ إدارة الأعمال الدولية بجامعة الملك فيصل عادل البقعاوي -مدير عام شركة عبدالله هاشم للغازات- المنطقة الشرقية د.عبدالجليل الخالدي -مستشار قانوني