أيها السادة: إرهاب النفس المعصومة بالقتل والتفجير والممتلكات بالحرق والتدمير، وإرهاب المعتقدات البشرية وفكرهم ورموزهم الدينية السماوية، جميعها إرهاب بصور متنوعة وبمفهوم واحد. إن الأحداث الإرهابية الأخيرة التي حطت رحالها قبل أيام بباريس عاصمة فرنسا هي أحدى صور الإرهاب. إننا جميعا كمسلمين ندينها باسم ديننا السمح وباسم الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وكذلك ندين إلصاقها بديننا الإسلامي وندين قول الله أكبر فيها. ففيها تسارع المتشددون بإلصاقها بالإسلام وتسارع بعض المنتمين صوريا للإسلام بالاعتراف بتنفيذها والتخطيط لها. تلك الأعمال التي أشعلت نيرانها الأيام الماضية باسم من وتحت أي شعار ولمصلحة من نفذت؟. نحن كمسلمين تعلمنا من رسولنا صلى الله عليه وسلم السلام، الإسلام التقي الذي يدعو لإحياء النفوس، في حروبه صلى الله عليه وسلم أوصى على الشجر والحجر، فديننا ينبذ العنف والاغتيال والتدمير. واليوم نجد من يعتقد أنهم من أتباعه وأنهم يسيرون على نهجه (وهم مخطئون) يريدونها كالأعاصير لا تبقي ولا تذر، براكين تبيد البشر والشجر. إنه ليس ديننا وليست رسالة رسولنا وليس منهجه بأبي هو وأمي. في المملكة وهي معقل الإسلام ومركز إشعاعه، اكتوت بنار فكرهم الضال وحاربت معتنقيها كما فعل أسلافنا. ومليكنا ذكر بحكمته وفطنته أنها قادمة لأوروبا ومن ثم أمريكا فلن يسلم منها أحد إلا بمحاربة فكرها ومحاربة ما يشعلها ويوقد نارها. أيها السادة إن الإسلام منها براء إنها مؤامرة ضد الإسلام لتشويه صورته الصافية ولينسب إليه كل مشين وكأنه دين همجي ليس فيه محبة وليس فيه رحمة وليس فيه إنسانية وهو بعكس ذلك تماما، إنهم يريدون تدمير الإسلام بأسماء اختلقت كداعش والقاعدة وأسماء وأبوسياف وغيرها كثير. المملكة موطن الإسلام ومهبط الرسالة المحمدية شكلت نقطة انطلاقة للمجتمع الدولي وأشعلت ضوءا كبيرا في سمائه ونادت بحوار الحضارات بين أتباع الأديان والثقافات وأنشأت مركزا عالميا متخصصا وقد شدد الملك - يحفظه الله - في كلمته بمدريد على «أن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع كل دين سماوي، وكل عقيدة سياسية». كما أن الملك دعا قبل سنوات عدة إلى إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وقد أيده قادة العالم ولكنهم لم يفعلوا شيئا، علما بأن المملكة استشعارا منها بضرر الإرهاب دعت لإقامته على أرضها ودعمه ماليا، مع العلم أننا نشاهد العالم الغربي اليوم يعمل سياسيا وعسكريا ويعلن حربا لمكافحة الإرهاب على كل الأصعدة ويضع له الاستراتيجيات ويرصد له الأموال والعتاد. فهل مفهومهم للإرهاب مختلف وهل حربهم ضد الإرهاب مختلفة؟ أيها السادة هناك من ينتفع بوجود جماعات متطرفة باسم الإسلام لا تحمل شيئا من الإسلام ومبادئه وقيمه، هناك من يوقد سعير غضبها ومن يدعمها ومن يسهل عليها التواجد في أماكن خطط لها لأهداف إرهابية يرغب فيها وهناك أيد خفية تخطط لإظهار الدين بذلك المظهر الوحشي. نحتاج اليوم كمجتمع دولي لتوحيد الخطط لمواجهة الإرهاب ووضع الاستراتيجيات الموحدة من قبل العالم بأسره لمحاربته وتجفيف منابعه، لا لمن يوقد ناره كما يحدث اليوم من صحيفة «شارل ايبدو» التي اكتوت هي بالإرهاب الفعلي وهي اليوم تقهر بتحد سافر مليار مسلم بإرهاب لفظي تقوم به بإعادة رسومات مسيئة لرمز المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم. لماذا يختار رسول الإسلام تحديدا، أليس ذلك تحديا جليا للإسلام والمسلمين؟ أليس ذلك أشبه بسكب الزيت على النار لاستفزاز المعتدل والمتطرف؟ أليس هذا صورة من صور الإرهاب ضد المسلمين؟! نحن لا نقر الإرهاب بأي صورة ولا بأي شكل ولا نقر قتل الأنفس المعصومة ولكن لنتساءل هل تجرؤ هذه الصحيفة أن تشكك في محرقة اليهود وهل تستطيع أن تسب السامية؟، ألم يخرج رئيس فرنسا ليقول لها يجب عليكم الاعتذار عن سب السامية. ألم يطرد رسامها الشهير «موريس سيني» ويحاكم اليوم بتهمة معاداة السامية؟! أيها السادة لا يمكن تجزئة الحرية ولا يمكن اعتبار سب الرموز الدينية والإساءة لها حرية ولا يمكن غض الطرف سياسيا أو فكريا عن ذلك ولا يمكن القبول بأن الإسلام والمسلمين مصدر لكل شر ومصدر لكل عمل جبان يهدف للنيل من الحضارة والإنسانية. يجب وضع حد للإرهاب الفكري واللفظي ويجب معاقبة كل من يسيء للرموز الدينية ويجب أن تكون خطا أحمر لا يمكن تجاوزه باسم الحرية والتعبير، فكما صدر قانون لمحاربة السامية يجب عالميا أن يصدر قانون يعاقب من يسيء لنبينا ولكافة الأنبياء والرسل. بذلك نكون فعلا نحارب الإرهاب فكرا وقولا وعملا.