مع تطور وسائل الإنتاج الإعلامي، وتعدد الشبكات الناقلة للمعرفة والأخبار، ونشاط المطابع في نشر الكتب على مستوى العالم، يزداد التطرف في استخدام هذه الوسائل للتعريض بالآخر، وبث ثقافة الكراهية، إن كنا نسميها ثقافة! لقد خلق الله هذا العالم كي يكون مُستقراً للبشرية، وأرسل الرُسل لهداية الناس نحو المحبة وإعمار الكون والعمل على إيجاد بيئات التلاؤم مع الطبيعة، وحسر مساحات الخلاف وأسباب التناحر، عبر نواميس جاءت بها الرسالات السماوية، وتلك الوضعية التي تحمل ذات القيم.وبرزت مشكلة تضاد الأديان وانحرافات بعضها عن سياقاتها الأخلاقية – كما بشّر بها الرُسل – مع موضة إدخال الدين في السياسة، وتسلط الكنيسة على مقاليد الحياة في أوروبا قبل عصر التنوير، والتعصب الديني الذي ظهر على أيدي غلاة اليهود وترديدهم بأنهم خير الشعوب، وكذلك قيام الإسلام السياسي مؤخراً في العالم الإسلامي، ومن ثم ظهور موجات الإرهاب الذي يُؤْثر القتل على الحوار، ويلجأ بكل سهولة إلى تكفير الآخر المُختلف معه سياسياً وليس عقائدياً.وإذا كان ذاك العنف – الذي ارتبط بجماعات إسلامية أعلنت مسؤولياتها عن تنفيذ مجموعة من الأعمال الإرهابية في مناطق شتى من العالم – قد تجاوز الآخر البعيد ليصل إلى الأخ وابن العم في المدينة العربية الآمنة، فإنه قد شتت الكلمة الواحدة التي تجمع المسلمين، في أمثلة عديدة، وتم ربطه بالإسلام النقي، لا بالمنفذين له وإن كانوا مسلمين.العنف الإعلامي السائد هذه الأيام هو أيضاً شكل من أشكال رفض الآخر وتحقيره وازدرائه!. وهو أمر مرفوض لأنه يتعارض مع المحبة والتسامح والحوار الذي نادت به الأديان.العنف الإعلامي ظهرت له نماذج عديدة في العالم، بدءاً من كتاب (آيات شيطانية)، وأفلام هوليوود، والرسوم الكاريكاتورية الدنماركية المسيئة للنبي (صلى الله عليه وسلم)، وحرق القرآن الكريم، وحتى استخدام الفضائيات كمنابر للإساءة للأطراف الأخرى، وسبّ حتى الرموز الإسلامية في ذات الدين، التي ضاقت بها السماء العربية.آخر موضات العنف الإعلامي إنتاج فيلم سينمائي يُسيء للنبي (صلى الله عليه وسلم)؛ بعنوان (براءة المسلمين)، حيث تمت دبلجته إلى اللهجة المصرية، واحتوى على مشاهد لا يجوز إلصاقها بالنبي صلى الله عليه وسلم. وتشعر من لقطة أو لقطتين أن هدف الفيلم الإساءة والسخرية دونما أي خجل أو اعتبار لحقوق الآخرين. حيث أدانت جامعة الدول العربية (يوم 11/9/2012) إنتاج هذا الفيلم ووصفته بأنه عمل مشين واستفزازي وإجرامي. وتعهدت الجامعة بمتابعة أولئك الذين يقومون بهذه التصرفات. ورأت الجامعة العربية أن احترام المقدسات والرموز الدينية مبدأ أساسي أقرته الأممالمتحدة. بل إن الولاياتالمتحدة نفسها أدانت إنتاج الفيلم ووصفته بأنه مقرف، معتبرة أن الهدف منه على ما يبدو السخرية الشديدة والإساءة إلى دين عظيم وإثارة الغضب، كما جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) يوم الخميس 13/9/2012. نحن نعتقد أن الأديان تُكمّل بعضها، لأن القيم الإنسانية السامية التي نادى بها كل الأنبياء والرسل كلها تصبُّ في معين واحد، هو استقامة الحياة، وتنظيمها وإبعاد الشرور عن الإنسان. ولئن شاءت المشيئة الإلهية أن يكون الإسلام خاتم الرسالات، فإن سماحة هذا الدين قد كفلت لغير المسلمين حرية اعتناقهم لأديانهم (لكم دينكم ولي دين)، (لا إكراه في الدين). كما حفل القرآن الكريم بكل صور التبجيل والتقدير للأديان السابقة والأنبياء والرسل السابقين من غير العرب، وقدّمهم نموذجاً صالحاً للإنسان الذي كُلف بإعمار الأرض والتحاور مع بني جنسه، من أجل دفع الشرور وإقامة المجتمع العاقل البعيد عن الحروب والأمراض والجهل. كما أن ردات الفعل حول الأعمال المشينة لا يجب أن تتحول إلى العنف، وقتل الأبرياء كما حدث للسفير الأمريكي في ليبيا أو الاعتداء على السفارة الأمريكية في اليمن، لأن ذلك لا يساهم في إظهار الروح السامية للإسلام، وحبذا لو كانت ردات الفعل بإنتاج مواد تشرح إيجابية الإسلام وسماحته ونقاء رموزه وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وعلاقة الإسلام مع الديانات الأخرى.لذلك، فإن إنتاج مواد إعلامية تُسيء لطائفة أو دين ليس من الوسائل التي تدعم المحبة والتسامح بين البشر. كما أن هذا الإنتاج يؤجج المشاعر ويُثير العصبية، ولا يستفيد منه أحد.لقد بدأ العالم الإسلامي منذ فترة حوارات الأديان، وعُقدت عدة مؤتمرات وأقيمت مراكز لحوار الأديان، كلها بغرض التقريب بين وجهات النظر، والتلاقي بين الفرقاء – المختلفين في الدين – على كلمة الخير والتسامح ورفض الكراهية والتباغض بينهم.فكم هو جميل أن تتوجه الجهود الإعلامية نحو التقريب بين المختلفين في الدين وفي المذهب أيضاً!. وأن يتم إنتاج مواد إعلامية تُظهر تعاون هؤلاء في المحبة وردّ الأعداء وبذر بذور الحياة المستقرة بين البشر، كي تصفو النفوس وتتوجه الجهود نحو الإنتاج ومحاربة آفات العصر من سوء تعليم وفقر ومرض. وكم هو جميل أن (ندع الخلق للخالق)؛ فكل إنسان له حرية اعتناق أي فكر وأي دين! وقد يكون من أقدار المرء أنه لا يختار دينه أو شكل حياته الجغرافي ولا حتى جيناته. لذلك، فالأخُوّة في البشرية تلزمنا أن نعترف بحق كل إنسان في اختيار دينه دون أن يكون ذلك مدعاة للسخرية منه أو الحط من قدره.وإذا كانت الحرية – التي تنادي بها بعض المجتمعات «المتطورة» – تسمح لها بالاعتداء على أديان الآخرين أو وضع رموزها محل سخرية وتهكُّم؛ فإن ذلك اجتراء على تلك الحرية وإخراجها من مضامينها السامية، التي تدافع عن حقوق الناس وكرامتهم.وإذا كانت التكنولوجيا قد ساهمت في نشر المعرفة والأخبار وتقديم الترفيه للناس، فإنه من غير اللائق استخدامها في نشر الأحقاد والضغائن، وبذر بذور الازدراء للآخر دون وجه حق. كما أن المجتمع الدولي ممثلاً بالأممالمتحدة يجب أن يكون على مستوى الحدث، ويجب أن تتداعى الدول الإسلامية لوضع مشروع قرار يدين أي تعرّض أو سخرية من أي دين، أو التعرض للرموز الدينية، ويُصار إلى تبنيه من قبل الأممالمتحدة، ويكون نافذ المفعول، ومبيناً للعقوبات في حال تجاوز مبادئه.