حل عيد الفطر هذا العام على غزة وهي تغرق في الدم والدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية على مدار ثلاثة أسابيع، عاثت خلالها طائرات ومدفعية الاحتلال فسادا وقتلا وتدميرا في أحياء المدينة المكلومة الحزينة على فراق أكثر من ألف شهيد، كتب عليهم ألا يكونوا بين الأهل في هذا اليوم المليء بالآلام والأحزان على فراق الأحبة، وسط مشاهد الدمار والنزوح وأنين الجرحى والمصابين. في غزة هذا الأيام ومع حلول الفطر «السعيد»، تبدلت عبارات التهنئة، فبدلا من القول «كل سنة وأنتم سالمين» التي كان يتبادلها أهل غزة في هذا اليوم، كانت عبارة «الحمد لله على السلامة»، وبدلا من عبارة «عيد سعيد»، تبادل الغزاويون عبارة «عيد شهيد وعمر جديد». واقتصرت طقوس العيد في هذا اليوم على أداء الصلاة فقط، وبدلا من تبادل الزيارات وتقديم المعايدات للأطفال والأرحام، توجه الناس إلى المقابر والمستشفيات لزيارة من فقدوا من أهلهم وأبنائهم، ومن يرقدون على أسرة المستشفى، بينما توجه الرجال إلى بيوت من استشهدوا لتقديم واجب العزاء لأهالي الشهداء. الأطفال الذين كانوا ينتظرون العيد، لم يلبسوا الجديد ولم يتوجهوا إلى أماكن الألعاب ومراجيح العيد، لم يفرحوا كباقي الأطفال، فأكثر من استشهدوا في هذه الحرب المجنونة هم من الأطفال الذين كانوا هدفا سهلا لصواريخ وقذائف العدو، عدو البشر والشجر والحجر. نساء غزة لم يقمن هذا العام بعمل «كعك» العيد، فلا مجال لتقديم الكعك والمعمول الفلسطيني للضيوف فلا أفراح في غزة هذه الأيام، ونساء أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون المهجرات لن يطبخن «السماقية» طبخة العيد التي تشتهر بها أحياء غزة القديمة، فقد تبدلت عادات وتقاليد الناس في هذه الأيام الحزينة، واكتفى الجميع بترديد قول الشاعر «عيد بأية حال عدت يا عيد». في غزة يقولون لم يثبت هلال العيد، فمشاهد الحزن والألم والحسرة في كل مكان، ورائحة الموت تفوح من تحت الركام، ومشاهد أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ستبقى في ذاكرة الغزاويين الذين لم يحتفلوا بعيد الفطر هذا العام، في انتظار الاحتفال بعيد النصر.