أوشك الحديث عن الجماعات الإرهابية المتطرفة باعتبارهم خوارج أن يكون مسلمة ولازمة تتكرر كلما يجري الحديث عن هذه الجماعات سواء التي كانت تمارس الإرهاب على أرض الواقع أو تنظر له بفتاوى التكفير التي تحرض على ممارسة الإرهاب وتسعى إلى تبريره. وأعتقد أن تشبيه هذه الجماعات الإرهابية بالخوارج خطأ ناتج عن محاولة ردهم إلى أصول تاريخية قديمة، وإلحاق ممارساتهم بممارسات سابقة عليهم عانت منها المجتمعات الإسلامية خلال تاريخها الممتد أربعة عشر قرنا. الخطأ يتمثل أننا حين نسمي هؤلاء الإرهابيين والمتطرفين خوارج أو نشبههم بالخوارج فإننا بذلك نمنحهم بعدا تاريخيا وحضورا مبكرا في التاريخ الإسلامي، وهو بعد يمكن له أن يشي بشرعية وجودهم إذ يظهرهم وكأنهم امتداد لأسلاف لهم ظهروا عبر التاريخ، تشبيههم بالخوارج تأصيل لحركتهم وتوجههم بينما هم في الحقيقة نبتة شيطانية أفرزتها ظروف وتقاطعات سياسية واجتماعية وتقف وراءها شبكات دولية عابرة للقارات والدول وتسعى إلى تحقيق أهداف لمنظمات عالمية، وأجهزة استخبارات دولية. ظهر الخوارج تاريخيا نتيجة انقسام الأمة الإسلامية لقسمين كبيرين خلال الفتنة التي أعقبت مقتل سيدنا عثمان، واقتتال على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ومثل خروج الخوارج حركة رفض للانقسام وإن كانت حركة ضاعفت من أضرار الانقسام وتأثيره لكن الخوارج لم يكونوا يرتبطون بأجهزة استخباراتية، ولم يكونوا ينفذون أجندة دولية كما هو الحال مع جمعات التكفير ومالشيات التفجير في عصرنا الراهن. وجماعة الخوارج كانت تملك إرثا فكريا وثقافيا ومن بينها خطباء تمثل خطبهم نماذج رائعة في الفصاحة والبلاغة ومن بينهم شعراء من كبار شعراء العربية، ولذلك فالفرق بين الخوارج وجماعات التكفير والإرهاب شاسع والمقارنة بينهم مقارنة غير عادلة إذ ليس لجماعات الإرهاب والتطرف إرث ثقافي وليس بينهم خطيب يحسن الكلام إذا تحدث أو شاعر يتقن كتابة الشعر. وليس لنا أن نبرر وصفنا هؤلاء الإرهابيين بالخوارج أننا نستخدم كلمة خوارج بمفهومها اللغوي أي بمعنى أنهم خرجوا على النظام أو الدولة، ذلك أن لكلمة «خوارج» حمولاتها التي ترتبط بجماعة محددة ظهرت في تاريخنا ذات خلل وانقسام فإذا ما وصفنا هؤلاء الإرهابيين والمتطرفين بالخوارج ألحقناهم بتلك الجماعة ولم نصفهم بالخروج على الدولة والنظام فحسب.