كتبت الدكتورة الكاتبة القديرة عزيزة المانع قبل فترة كلمة في «أفيائها» عن ظاهرة تورم الذات، وضربت لذلك مثلا لكل من زكي مبارك والمتنبي وإنما يعانيان من ذلك التورم وأوردت أقوالا للأول وبيت شعر للثاني يقول فيه «وما الدهر إلا من رواة قصائدي»! وأرى أنه لا مقارنة بين تورم زكي مبارك الذي قد يفضله في مجاله بعض معاصريه من الأدباء وبين تورم المتنبي الذي كان تورمه ناتجا عن «عبقرية» لم يجد تاريخ الشعر العربي بمثلها، وأن الدهر أصبح من رواة قصائده من بعده، والدهر هنا بمعنى الأحياء في رحاب الأزمان الذين ظلوا وما زالوا يرددون شعر المتنبي وليس المعنى الدهر نفسه على قاعدة : «واسأل القرية التي كنا فيها» والمطلوب سؤالهم في الآية الكريمة أهل القرية التي عاد منها أبناء النبي الكريم يعقوب عليه السلام ولذلك فمن حق المتنبي أن يقول : «إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا» فالقارئ لشعره المجموع في عدة مجلدات يجد أن قصائده على ما فيها من روعة بيان وخرائد حسان، فإنها تضم ثلث وربما نصف ما يردده الناس منذ ألف عام من أبيات شعر الحكمة والاستشهاد، ولعل الدكتورة عزيزة المانع من بنات الدهر الراويات لقصائد أو أبيات المتنبي الذي يحق له من وجهة نظري أن يفاخر بعبقريته الشعرية التي لو اجتمع نقاد الشعر في العالم على الحط من قدرها لأوهنوا قرونهم ولبقي شعر المتنبي خالدا ما شاء الله له من خلود كالجبل الأشم!. إن التورم المذموم هو الذي يكون صاحبه ذا موهبة عادية أو أنه يوجد له أشباه في مجاله، ثم تراه ينفرد دون غيره بوصف نفسه بالتفرد والعبقرية، كما هو الحال بالنسبة لزكي مبارك وغيره من المشاهير في مجالات الأدب والفن والرياضة، فذلك هو التورم الذي لا يطاق، أما لو أن عبقريا لا يفري فريه أعطى فأبدع ثم وجد الجحود من قومه وكان فعلا لا قولا فريدا في إبداعه «كما هو الحال بالنسبة للمتنبي» فأراد التعبير عما يجوش في نفسه من اعتزاز بما قدمه من إبداع فإنه له الحق في ذلك لأنه يصف واقع حاله وما من الله به عليه من عبقرية وانفراد. وعلى أية حال فإن قناعتي أو عدم قناعتي بعبقرية المتنبي لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا فهو الذي قال أيضا : أنام ملء عيوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم. وها أنذا أخاصم فيه الزميلة العزيزة بنت المانع وقد ظل يتخاصم حول شعره النقاد والشعراء والحاسدون له على مدى ألف عام ولكن النسيان طواهم وبقي المتنبي هو المتنبي!.