حين يتحدث زكي مبارك عن كتابه (عبقرية الشريف الرضي) يقول عنه: «يستطيع القارئ لكتابي أن يقول: إن نثر زكي مبارك له روعة تفوق روعة شعر الشريف الرضي في بعض الأحيان»، هذا ما أعنيه بتورم الذات!! تورم الذات داء لا يقل أذى عن تورم البدن، وهو غالبا داء يصيب المشاهير في مجال من المجالات كالأدب أو الفن أو التمثيل أو الرياضة أو غيرها، ومن أشهر من أصيب بهذا الداء المتنبي الذي بلغ به تورمه أن جعل الدهر راوية له: (وما الدهر إلا من رواة قصائدي،، إذا قلت شعرا، أصبح الدهر منشدا). زكي مبارك لا يقل تورما عن المتنبي فهو يقرر في أحد كتبه أن المتنبي سيبقى مجهولا إلى أن يكتب هو عنه!! تورم الذات لاعلاقة له بحب الظهور أو الحياة المترفة، فقد يكون الشخص زاهدا متقشفا لكن أعماقه تنطوي على غرور ينفخها ليرتفع بها في فضاء لا مدى له، كالمعري الذي لم يكن يعتريه شك في قدرته على أن يبز من سبقه فيفعل ما عجزوا عن فعله: (إني وإن كنت الأخير زمانه،، لآت بما لم تستطعه الأوائل)!! تورم الذات مثله مثل أي داء يكون أحيانا خفيفا محتملا، ويكون أحيانا ثقيلا مؤلما، زكي مبارك كان داؤه من النوع الثقيل، فقد بلغ إعجابه بذاته حدا فائقا لا يبلغه وصف، كان يعد نفسه أعجوبة الخالق في الإبداع، فهو يرى نفسه متعدد المواهب والمزايا، وغالبا يشير إلى شخصه بلقب (الدكاترة) تذكيرا للناس بحصوله على ثلاث درجات دكتوراه!! لكن هذا الإعجاب الكبير بالنفس كان له أثر سيئ عليه حرمه من السعادة، فقد كان يؤلمه أن الآخرين لا يشاركونه ذلك الإعجاب، ولا يرون ما كان يراه في نفسه من مواهب ومزايا مبهرة، فأصابه ذلك بالإحباط وتولد لديه إحساس عميق بالغبن، فقد رسخ في أعماقه أن الناس بخسوه حقه حين لم يقدروا ما يتمتع به من الصفات النادرة التي يتميز بها عليهم، فكره الناس وأوغل في التعالي فوقهم، وكان ذلك سببا في سوء العلاقة بينه وبين كثيرين، حيث كثرت مشاجراته مع نظرائه من الأدباء والكتاب، واشتهر بينهم بحب الخصومة، وبسلاطة اللسان، فقد كان هجاء من الطراز الأول، ويبدو أن الخصومات مع الآخرين كانت تمده بشيء من الارتياح والمتعة، وهو لا يتنصل من ذلك الحب ولا ينكره فيقول: «أنا أحب الخصومات لأنها تذكي عزيمتي». لكنه دفع ثمنا باهظا في إذكاء ذلك (الحب): كثرة الأعداء من حوله واستمرار الخلافات بينه وبين الآخرين .